بقلم: طالب غلوم طالب – الإمارات
القيم السلوكيّة تأتي واضحة وجليّة عندما ترى تُشاهَد وتُلمس سلوكاً بشرياً في التعاملات والممارسات بين البشر من أول نزول الضيف الوافد أو الزائر في منفذ جوي أو منفذ بري أو منفذ بحري؛ لأنّ الموظفين في أيّ دولة ما عندما يتعاملون بأسلوبٍ راقٍ مع الآخر أياً كانت جنسيته وأصله وفصله ولونه ودينه ومذهبه دون تفرقة أو تمييز يُعطون انطباعاً جميلاً في نفس هذا القادم (المسافر)، ويحدّث بهذا الأسلوب مع الآخرين؛ لأنّ القيم الإنسانيّة مثل التسامح دوماً نبيلة، معشوقة لدى الجميع.
بالفعل «قيمة التسامح» تعلو على ما عداها من قيم، في مجتمع الإمارات المركب إلى حد بعيد، الذي يحوي جنسيات تنتمي إلى كل دول العالم تقريباً، ومع هذا يمر كل شيء على ما يرام، قياساً بما يحدث في مجتمعات أخرى، تركيبتها السكانية أقل تعقيداً، ومع هذا تعاني من التعصب الشديد، الذي يؤدي إلى «الإكراه الاجتماعي» و«الاحتقان المزمن» ويقود إلى جرائم وفوضى في بعض الأحيان، ووقوف دائم على حواف الفتن، أو حتى الانزلاق إليها، والتردي فيها.
الإنسان دوماً يُريد أن يُعامَل برُقي وإحسان وطيبة ولا يفرّق بينه وبين الآخر لأنه إنسان قبل كل شيء، ومكرّم من فوق سبع سموات؛ فدولةٌ عربية على ضِفاف الخليج العربي تُسمى في التّاريخ والجغرافيا والحضارة دولة الإمارات العربية المتحدة، تُنعت دوماً بهذه الصفة الموسومة بالدولة المتسامحة وأهلها المتسامحين.
وهذا ليس كلاماً مُرسلاً بل تُدلّل عليه وتؤكّده الحقائق الرقمية الرسمية؛ حيث يعيش على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر من (200) جنسيّة بسلام ووئام وراحة وسعادة وتعيش بيننا من سنين طويلة وتمارس أعمالها وحُرّياتها ومعتقداتها بسلام، وأغلب المواطنين عاشوا طفولتهم مع هؤلاء كأخوة وأصدقاء، وحتى إن بعضهم يتحدثون اللهجة الإماراتية بطلاقة.
إن مظاهر التسامح في الإمارات منبعها النزوع إلى التدين الوسطي، وتقاليد القبيلة وقيمها، وإرث القائد المؤسس لدولة الإمارات، زايد الخير، طيب الله ثراه، وبعض «القوانين» المطبقة، لاسيما التي تم استحداثها أخيراً مثل قانون مكافحة الكراهية والتمييز، إلى جانب «سمات مجتمعات الوفرة».
في تقرير حديث أجرته «إكسبرس موني»، إحدى أكثر شركات تحويل الأموال موثوقيّة في العالم، استطلاعاً خاصّاً رصدت من خلاله آراء (311) من الوافدين إلى دولة الإمارات العربية المتحدة من مختلف البلدان والثقافات، حيث أشار 86% منهم أنهم يعتبرون الإمارات كوطنهم، خصوصاً وأنها توفّر لهم الأمن والأمان والاستقرار (البيان – العدد 13316)، وهذا مردّه وسببه يعود إلى التسامح الذي تطبقه دولة الإمارات العربية المتحدة عملياً.
وتجسد هذا فعلياً في إصدار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي،رعاه الله، لوثيقة التسامح التي تتضمن قيماً إنسانيّة عُليا تقوم على احترام الآخر وتقدير واحترام الاختلاف معه؛ لأن الأمم لن تتقدم إلا بهذا التسامح الذي يسمو بالإنسان عندما يعامل الإنسان الآخر.
فالمعتقد الديني مجسّداً بالدين الإسلامي والعادات والأخلاق والتقاليد العربية تُعزّز هذا النهج؛ لأن الانفتاح الذي تعيشه دولة الإمارات العربية المتحدة لا يأتي من فراغ أو مُصادفة، وهذه الإنجازات الحضارية ليست وليدة حظ أو أي شيء آخر، بل جاءت مترسّخة في وجدان وثقافة شعب عربي أصيل يحترم ويُحترم لأنه أولاً احترم نفسه ثم احترمه الآخرون دولاً وشُعوباً وأُمماً.
فالنّعتُ والوصف المُتسامح الذي يُطلق على دولة الإمارات العربية المتحدة ليس وقتيّاً أو لحظيّاً بل دائم، ويرسم خارطة طريق للأجيال الإماراتية القادمة لتعي أن التسامح فيها سمة وصفة واستراتيجية عميقة في التاريخ التليد، وهذا بيت القصيد.