|  آخر تحديث نوفمبر 6, 2024 , 15:09 م

والوقتُ أنفسُ ما عُنيتَ بحفظه.. وأراه أسهلَ ما عليكَ يضيعُ


والوقتُ أنفسُ ما عُنيتَ بحفظه.. وأراه أسهلَ ما عليكَ يضيعُ



 

لعلّ من أهمّ وأخطر ما يواجه المرءَ في حياته، دون أن يكترث به هو ضياع الوقت؛ لأنّه نعمة لا يشعر الإنسانُ بقيمتها إلّا بعد فقدها، فقد أخبر الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال:” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ”.
وهذا يتطلب من المرء الكثير والكثير ليقتنص الفرص ولا يهدر الوقت، وأن يكون متوكلًا على خالقه، بعد أن يقوم بواجبه، لا متواكلًا؛ فالتوكل: يكون مع الأخذ في الأسباب الظاهرة، كما فعل النبيُ المصطفى حين هاجر من “مكة” إلى “المدينة” على الرغم من أنّه أمرُ اللهِ إلاّ أنّ النبي لم يقف عند هذا، فاختار من ينام في فراشه أولًا، واتخذ دليلًا في طريق هجرته، وفوق كلّ هذا أخفى الأمر حتى عن أقرب المقربين منه!!.

 

أما التواكل يكون بترك الحبل على القارب وترك الأمور تأتي كما هي دون تخطيط أو حتى انتظار للجميل منها.
ومن هنا على المرء ان يدرك أن هذه الحياة قصيرة مهما نال منها من ترف ومتعٍ، والعاقل الحقيقي هو الذي يحاسب نفسه على كلّ صغيرة وكبيرة، ولا يسمح لها أن تسرح وتمرح في متع الحياة الزائلة، فالنفس إن لم يحاسبها صاحبها ستأخذ به نحو المجهول، كما قال الشاعر:

والنفس كالطفل إن تهمله شبَّ على
حبّ الرضاع وإن تفطمه ينفطم

فالشاب الذي يريد أن يترك بصمة له في حياته وبعد رحليه عليه أن يستثمر شبابه وقوته لتحقيق الكثير والكثير، فلا عظيمًا خُلق وهو عظيم؛ بل سعى وكدّ حتى وصل لما وصل إليه، وطبيعي ألّا يصل الإنسان لمراده بكثرة الأكل والنوم، فالأشياء الكبيرة تحتاج إلى نفوسٍ صامدة وقلوبٍ مؤمنة بما تفكر وتريد، فلا يمكن للمرء أن ينال العسل دون أن يتحمل لسعات النحل، فلينطلق الإنسانُ من حقيقة لا ريب فيها وهي: أنّه مهما حقّق في هذه الحياة فلن يبقى من آثاره إلاّ تلك الإنجازات الشاهدة على أفعاله، ومن خلالها يسعدُ فيها الآخرين، ويترك بصمة في قلوبهم، تذّكرهم بمزاياه، فكم جميلٌ أن يتركَ الشخصُ بعد رحيله كتبًا تُدّرس وأفكارًا يُستنار بمضامينها وحِكمًا يُستشهد بها؟!!
ختامًا: إنّ الحياة أقصر من يعبث الإنسانُ فيها، فلنسعَ جاهدين بما يحقق لأمتنا ومجتمعاتنا مزيدًا من العزة والكرامة، وقبل كلّ شيءٍ أن يترك ويزرع ما يجعل هذه الأمة تحافظ على إنسانيتها وحضارتها، فلا وجود ولا خلود للإنسان إلا بخلود أمته وأجيالها المتلاحقة.
ويبقى أنّ الوقت هو رأس مالِ الإنسان فإما أن يستثمره لتحقيق غاياته أو أن يستثمره الآخرون منه لتحقيق ما يخططون له.

 

 

 

بقلم: عبد العزيز محمود المصطفى

كاتب وأكاديمي


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com