أعلنت مصلحة السجون الروسية وفاة أهم زعيم معارض في روسيا طوال العقد الماضي ، أليكسي نافالني( Алексей Навальный ) ( 47 سنة ) .
وكان نافالني، الذي اعتبره كثيرون أشد منتقدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يقضي حكماً ب 19 سنة ، في سجن ناء في المنطقة الشمالية، إثر إدانته بتهمة ” التطرف ” التي اعتبرت على نطاق واسع تهمة ” ذات دوافع سياسية ” . وأفادت سلطات السجون لمنطقة ياما في القطب الشمالي بأن السجين نافالني شعر بوعكة بعد نزهة وغاب عن الوعي بشكل شبه فوري ، وأكدت فرق الإسعاف وفاة السجين ، وأضافت أن كل إجراءات الإنعاش اتخذت لكن لم تعط نتائج إيجابية .
وُلد أليكسي نافالني في 4 يونيو/ حزيران 1976 في منطقة باتين بموسكو، ودرس القانون وتخرج من جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو عام 1998 ، وأصبح زميلاً زائراً في جامعة بيل الأمريكية في عام 2010 ، وكان نافالني ناشطاً في مجال مكافحة الفساد ، والوجه الأبرز لمعارضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
– من غير المعروف تحت أي ظروف توفي أليكسي نافالني:
قبل يومين من وفاته ، تم إرسال السياسي إلى زنزانة العقاب للمرة 27 خلال فترة سجنه . في يوم وفاة نافالني، لم تكن العديد من كاميرات الفيديو تعمل في مستعمرة خاربا، قبل يومين من وفاته جاء ضباط جهاز الأمن الفيدرالي إلى المستعمرة وقاموا بتفكيك أجهزة التنصت والكاميرات الخفية التي يمكن أن تسجل ما حدث ل نافالني.
توفي أليكسي في المستعمرة الإصلاحية رقم 3 في منطقة يامالو- نينيتس المتمتعة بالحكم الذاتي في 16 فبراير 2004 ، أفادت بذلك الإدارة المحلية لدائرة السجون الفيدرالية، وجاء بيان أن نافالني شعر بتوعك بعد المشي وفقد وعيه على الفور تقريبا، وفقاً لصحيفة بازا الشعبية المؤيدة للكرملين، حدث ذلك حوالي الساعة الواحدة ظهراً بالتوقيت المحلي ( 11 صباحاً بتوقيت موسكو ) .
وصل فريق من قرية خارب المجاورة إلى المستعمرة بعد سبع دقائق، وبعد دقيقتين أخريين، بدأ العاملون الطبيون في علاج نافالني واستمرت محاولات إنعاش السياسي ، أكثر من نصف ساعة، وفي الساعة 14:17 بالتوقيت المحلي ( 12:17 بتوقيت موسكو ) أعلن الأطباء وفاة نافالني، بعد ساعتين ، أعلن مصدر من قناة RT سبب وفاة السياسي بأنه جلطة دموية منفصلة .
– ما هي مستعمرة بولار وولف المعروفة عموماً ؟:
تقع المستعمرة في التندرا ، في الواقع ، في مناخ القطب الشمالي، لديها سمعة سيئة للغاية تقع في قرية خارب ، منطقة يامالو – نينيتس المتمتعة بالحكم الذاتي ، في عام 2006 ، هي مستعمرة لمرتكبي الجرائم المتكررة الخطرين بشكل خاص . ويتفق المحامون المتخصصون في حماية حقوق المدانين مع هذا تماماً ، يقول أحدهم: ” هذه مستعمرة مثيرة للإشمئزاز، شروط قضاء العقوبة صعبة للغاية ، وأي طلبات من هناك محظورة ، بإستثناء ربما بعض الطلبات الطبية وطلبات المساعدات المالية.
المستعمرات الجزائية ذات النظام الخاص هي مؤسسات تتمتع بأشد شروط الاحتجاز من بين جميع المستعمرات الإصلاحية، ووفقاً للقانون فإنهم يقضون عقوباتهم بالنسبة للرجال الذين يعاودون ارتكاب جرائم خطيرة بشكل خاص ، المحكوم عليهم بالسجن مدى الحياة، وكذلك المدانين الذين تم استبدال عقوبة الإعدام عن طريق العفو بالسجن لمدة معينة أو السجن مدى الحياة.
في أغسطس الماضي، أصبح من المعروف أن نافالني سيقضي عقوبته التالية البالغة 19 عاما في مستعمرة خاصة بالنظام.
– ماذا واجه نافالني في المستعمرة؟ :
يقول أحد السجناء السابقين : ” قضى نافالني عامين في الحبس الإنفرادي بإختصار : ” ظروف احتجاز صارمة ” ، ويوضح السجين السابق أن هذه المنطقة معزولة عن بقية المستعمرة، هناك 19 كاميرا على كلا الجانبين، يوجد قسم من المباني من نوع الغرفة الواحدة ، يتم إرسال أولئك الذين يعتبرون منتهكين ضارين للاجراء لمدة تصل إلى ستة أشهر، ولكن يتم تضمين ” الإنتهاكات الخبيثة ” أيضا لمدة تصل الى عام ، كان من المفترض أيضا أن يقضي نافالني عاما هنا ، وفقا لقرار المحكمة. يمكن أيضا نقل السجناء المحتجزين إلى زنزانة العقاب بسبب الإنتهاكات لمدة أقصاها 15 يوما ، تم استخدام هذا مرتين ” الإجراء العقابي ” ضد أليكسي نافالني في مرة 14 فبراير، بعد ثلاثة أيام فقط من إطلاق سراحه من نفس مركز الاحتجاز، طوال فترة سجنه منذ عام 2021 ، تم إرسال نافالني إلى زنزانة العقاب 27 مرة .
تشير الناشطة في مجال حقوق الإنسان ( إيفا ميركاتشيفا ) إلى أن الرحلة التي لا نهاية لها إلى زنزانة العقاب ، هي التي يمكن أن تؤدي إلى وفاة السياسي.
يُسمح ل ” المخالفين ” الذين يجدون أنفسهم في زنزانة العقاب بالمشي يوميا لمدة ساعة على الأقل .

كانت معركة نافالني ضد الرئيس الروسي، 71 سنة، معركة شخصية من الدرجة الأولى: فقد اتهم بوتين بإصدار أوامره لعملاء الدولة السريين بتسميمه في هجوم كاد أن يقتله في أغسطس/آب 2020.

وتدهورت صحة نافالني وهو على متن طائرة فوق أراضي سيبيريا ونقل إلى المستشفى في أومسك، بعد الاشتباه في تسممه. ودخل في غيبوبة. وأقنعت جمعية خيرية مقرها ألمانيا، المسؤولين الروس بالسماح لها بنقله جواً إلى برلين من أجل تلقي العلاج.

وفي النهاية، كشفت الحكومة الألمانية في 2 سبتمبر/ أيلول 2020 أن الاختبارات التي أجراها الجيش وجدت “دليلًا لا لبس فيه على وجود عامل أعصاب كيميائي حربي من مجموعة نوفيتشوك”.

ونوفيتشوك هو السلاح الكيميائي الذي كاد أن يقتل الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا في سالزبري في إنجلترا في مارس/ آذار 2018. وقد توفيت امرأة إنجليزية أيضا في وقت لاحق جراء تعرضها للمادة السامة.

ونفى الكرملين في ذلك الوقت أي دور للدولة في الهجوم على نافالني – الذي يتجنب بوتين دائمًا ذكر اسمه علناً – وينفي المزاعم المتعلقة بتسميمه بنوفيتشوك.

لكن بوتين، اعترف بوضع بلاده لنافالني تحت المراقبة، وقال إن ذلك كان مبرراً بأن جواسيس الولايات المتحدة كانوا يقدمون المساعدة للمدون حسب زعمه.

وفي عام 2014 ، سُئل عن ضم الرئيس بوتين لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، في مقابلة مع محطة “إيخوموسكوفي” الإذاعية. فكان رده هو أنه على الرغم من الاستيلاء على شبه جزيرة القرم كان انتهاكا للقانون الدولي، إلا أن “الحقيقة هي أن شبه جزيرة القرم هي الآن جزء من روسيا” وشدد على القول “القرم لنا”.

بدأ صعود نافالني بقوة في السياسة الروسية في عام 2008 عندما بدأ في التدوين عن مزاعم سوء إدارة وفساد في بعض الشركات الروسية الكبرى التي تسيطر عليها الدولة.

وكان أحد تكتيكاته هو أن يصبح مساهماً في أسهم الأقلية (المعروضة للبيع للمستثمرين من الناس في الشركات التي تملك الدولة الحصة الأكبر فيها)، في شركات النفط الكبرى والبنوك والوزارات، ومن ثم يبدأ في طرح أسئلة محرجة حول “فجوات” وتسريبات في تمويلات الدولة.

وقد وصل إلى المتابعين الشباب في الغالب على وسائل التواصل الاجتماعي، عبر استخدامه لغة نقدية حادة ومثيرة، وسخريته من المؤسسة الموالية للرئيس بوتين.

وقبل الانتخابات البرلمانية لعام 2011 ، التي لم يخضها كمرشح، حث قراء مدونته على التصويت لأي حزب باستثناء حزب روسيا المتحدة، الذي أطلق عليها اسم “حزب المحتالين واللصوص”. وظلت هذه العبارة عالقة في الأذهان.

وفاز حزب روسيا المتحدة بالانتخابات، لكن بأغلبية أقل بكثير. وشابت فوزه مزاعم انتشرت على نطاق واسع بتزوير الأصوات، والتي أثارت احتجاجات في موسكو وبعض المدن الكبرى الأخرى.

– التصفية الفورية :
أعلنت المحكمة أن المنظمات التي أسسها نافالني متطرفة وحظرت أنشطتها في روسيا، في 16 إبريل طلب المدعون العامون من المحكمة الإعتراف بالمعارض نافالني، وأوضح مكتب المدعي العام في موسكو لوكالة إنترفاكس، تحت شعار الليبرالية، تعمل هذه المنظمات على تهيئة الظروف لزعزعة استقرار الوضع الإجتماعي والسياسي ، وقال مدير مكتب الادعاء العام إن ” الأهداف الفعلية لأنشطتهم هي تهيئة الظروف لتغيير أسس النظام الدستوري ، بما في ذلك استخدام سيناريو ” الثورة الملونة ” .
وتنفذ هذه المنظمات ” أنشطة منظمات أجنبية ودولية على أراضي الإتحاد الروسي، والتي تم اتخاذ قرار بشأنها بالاعتراف بأنشطتها على أنها غير مرغوب فيها ” . وأكد مكتب المدعي العام أن المواد المقدمة إلى المحكمة : ” تحتوي على أدلة شاملة على أن الهياكل المذكورة تقوم بأنشطة متطرفة ” وأنها تزعزع استقرار الوضع الإجتماعي والسياسي في البلاد ، من خلال الدعوات إلى أعمال العنف والأنشطة المتطرفة وأعمال الشغب الجماعية ، من خلال محاولات إشراك القاصرين في أنشطة غير قانونية.
في 9 يونيو قررت محكمة مدينة موسكو تلبية مطالبة مكتب المدعي العام في موسكو بشكل كامل ، وهكذا، تمت تصفية
المنظمات غير الربحية وتم حظر أنشطة الحركة العامة لمقر نافالني.
– والدة نافالني تعلق على وفاة ابنها :
لا أريد أن أسمع أي تعازي ، رأيت ابني في المستعمرة يوم 12 ، كنا على موعد ، لقد كان على قيد الحياة وبصحة جيدة ومبهج.
– ماذا قالت خبيرة الطب الشرعي أولغا فاتيفا لمجلة ( تاكي ديلا ) ما سيحدث لجنة نافالني:
في بعض الأحيان لا تسمح هيئات التحقيق بالافراج عن الجثة لسنوات ، وقد لا يتم التعرف على التسمم حتى أثناء تشريح الجثة.
اذا تعرض شخص ما للضرب بأداة غير حادة فقد لا يتمكن خبير الطب الشرعي دائما من تحديد ذلك ، وفي بعض الحالات لن يتمكن الإخصائي من التمييز بين هذه الإصابة والاصابة الناتجة عن السقوط ، اذا أراد الأقارب إجراء فحص ثان في الخارج، فسوف يحتاجون إلى جمع وثائق مختلفة( شهادة الوفاة، إذن نقل الجثة وما إلى ذلك ) من الصعب أخذ عينات من الأعضاء الداخلية بنفسك وإرسالها إلى الخارج للبحث ، لأنك تحتاج إلى معرفة مصدر العينات بالضبط ومن ثم تحتاج إلى تخزينها في الثلاجة.
في حالة التسمم بالمؤثرات العقلية، لن تكون هناك تغيرات محددة في الأعضاء والأنسجة ولا يستطيع المختبر دائما تحديد وجود مثل هذه المادة في الدم ، لأن الجرعة صغيرة جدا ولأن المادة تفككت، ” إن مسألة اكتشاف المادة السامة هي أيضا مسألة تتعلق بالمعدات وقاعدة البيانات الموجودة. إذا تم تبريد الجسم بسرعة وتخزينه فلن تكون التغييرات بعد الوفاة مهمة للغاية بحيث تعقد عمل خبير الطب الشرعي حتى بعد شهر .
أخيرا أختم بمقولة للراحل نافالني:
” لدي بلدي و متعقداتي ولا أريد أن أتنازل لا عن الوطن ولا عن المعتقدات ولا أستطيع أن أخون، اذا كانت معتقداتك تساوي شيئا، فعليك أن تكون مستعدا للوقوف من أجلها، وإذا لزم الأمر قدم بعض التضحيات، وإذا لم تكن مستعدا فليس لديك قناعات ” ( Алексей Навальный ).

بقلم : فاتن الحوسني
باحثة وكاتبة في الشؤون الدولية