لا يخفى عن الجميع أن مصر تمتلك الآن أكثر من ثلثي آثار العالم، وحضارتها ذات الفنون البديعة ما زالت تشغل بتقنياتها علماء ومفكري العالم، والذي استحدث معه في العصر الحديث علم “الإيجبتومينيا”.
وبالرغم من تفوق بعض الدول حديثًا في مجال الفنون التي نجحت في ابتكار ووضع بصمات لها في هذا المجال؛ سواء العمارة أو النحت واستخدام الخردة وإعادة تشكيلها فنيًا بمنحوتات ضخمة متعددة تحاكي بعضها شخصيات كرتونية أو تصورات لمركبات حديثة وشيدوا لها متاحف تجذب عددًا من السياح الذين يرتادون تلك البلاد، حيث نجحوا في استحداث فنون جديدة لم تكن معهودة.. كان متحف “الميكرومينياتور” في براج Prague الذي زرته في ٢٠١٩ نصيبًا من تلك المتاحف مختلفة الشكل، المعروضات صغيرة الحجم لا يمكن أن تراها بالعين المجردة وجميعها منحوتة من مواد مختلفة عاج وأحجار نصف ثمينة، ويسلط عليه مكبرات حتى يتمكن الزائرون من رؤية تفاصيل تلك المنحوتات، ومنها دراجة بتفاصيل واقعية حجمها لا يتعدى ١مم، وحيوانات، فيل زرافة، بعض المعالم السياحية الأجنبية.. أسطول من الخيل بطول فتحة الإبرة.
المنحوتات تثير الدهشة في الحقيقة، ومن شدة تميز هذا الفن دقة تنفيذ التفاصيل، لا أخفي مدى إعجابي بالمتحف، فزرته مرتين وقمت بتصويره والاحتفاظ بالصور.. وعندما زرت متاحف أخرى في أمريكا لفن “المينياتور”، لم يكن على قدر المستوى الفني من التجديد والتنويع.. ولهذا، أجد أن متحف “الميكرومينياتور” في براج ما زال هو الأقوى وربما يكون الأوحد.
وبالرغم من أني لا أحب كثيرًا التكنولوجيا الحديثة والسوشيال ميديا إلا في أضيق الحدود؛ حيث أستخدمها في نشر مقالاتي وأنشطتي فحسب أو الشراء.. لكن وجدت فيها عاملًا إيجابيًا؛ حيث اكتشفت أعمالًا فنية لفن “الميكرومينياتور” وبتتبعها وصلت للفنان صاحب هذا الإنجاز.. فهو فنان مصري أصيل موهوب بالفطرة نفذ العديد من الأعمال المنحوتة على مادة الرصاص (قلم الرصاص) ومعظمها نحت دقيق لمختلف المعالم المعمارية المصرية والتماثيل المصرية القديمة التي تعبر عن حضارتنا كوسيلة مختلفة للتسويق الثقافي السياحي، فقام بنحت معبدي حتشبسوت وأبوسمبل، أبوالهول وخلافه، ولا يتعدى حجمها ٤مم، ومنحوتة بسن قلم الرصاص..
سعادتي بهذا الإعجاز الفني المصري شديد، والحقيقة هو يقوم بالتسويق لفنه بمفرده وبخلاف مهارة هذا الفنان، فهو يتمتع بخلق متميز، ليس هذا فحسب، فلم يكتف بفنه ويحتكره لنفسه، بل أراد نشره، فقام بتنظيم دورات لتعليم المحبين للفنون الجديدة من هذا الفن.
هذا الفنان الذي يناضل من أجل نشر فنه وتسليط الضوء عليه هو “إبراهيم بلال”، وأتمنى أن يحظى بفنه وتميزه – الذي يعبر عن أن مصر ولادة بفنها – الاهتمام من الدولة، وأن تعرض مجموعة من أعماله ضمن متاحف الفن الحديث بالعاصمة الإدارية الجديدة، ومتحف المطار، لتكون هناك مواطن جذب جديدة لمختلف الأذواق.
تمنيت أن يعود بي الزمان عندما توليت منصب مدير التنمية الثقافية الأثرية، فلم أتردد وقتها أن أنظم له معرضًا داخل المتحف المصري؛ ليرى الزائر عظمة العمل الفني منذ ٦٠٠٠ سنة ق.م وحتى يومنا الراهن،
ليس هذا فحسب، ولكن لزم القول أن مصر تمتلك مواهب شابة عديدة تحتاج لإلقاء الضوء عليها دون الخوض في “بيزنس الفن” الفن الذي أفقد عددًا لا يستهان به من الفنانين الرغبة في الإبداع.. فهذا هو دور الدولة في البحث عن الجديد في الفن وتبنيه.
وثمة أمنية أخرى، بما إن الحديث عن الفن، وتحديدًا في تخصص الفن المعماري: لماذا لا نطرح مسابقة بين طلبة الجامعات في آخر السنة كمشروع تخرج لتزيين ميادين المدن الجديدة ونرى أعمالًا فنية بأسماء الطلبة والجامعات؛ ليسهم الشباب في إعمار وتزيين بلدهم.. وليخرج منهم من يتميز بالعمل في مجال فن العمارة وليس مقاولات البناء؟
مع كل الحب لمصرنا.. وللحديث بقية
بقلم: د. إنجي فايد