بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية هل انتهى عصر الملكات ؟
غابت عنا في تاريخ الثامن من الشهر التاسع عام الفان و اثنان و عشرين , الملكة إليزابيث الثانية , تاركةً لنا آثاراً مبهجة من الضوء و اللون ,لتتوقف مراكب رحلتها الطويلة و تسجل الرقم القياسي في أطول ملوك بريطانيا حكماً, ضمن تسعة و ستين عام زاخرة بكثير من الأحداث و الأعمال.
حوت شخصية الملكة إليزابيث الثانية إشارات و أخبار تمتزج بها اساطير الملكات و يغلفها الخيال بميثولوجيا شخصية الملكة و إن فك رموز هذه الشخصية و الفرز بين حقيقتها و ما يلحق اسم الملكة من تقاليد و تصورات أمر شاق .
وتبدأ حل هذه الرموز من الاسم حيث ان لكل أمرئ من اسمه نصيب و بما يشير عنه اسم اليزابيث الى المكرسة للرب و يبقى اسم اليزابيث الثانية مرتبط باسم الملكة اليزابيث الأولى , لنجد العديد من التقاطعات , حيث ان الملكتين تسلموا الحكم في ظروف قاسية على المملكة البريطانية.
ولم تكن إشارة العصر الإليزابيثي مجرد مصادفة بل هو تيمناً بما حققته الملكة اليزابيث الأولى من نهضة و ازدهار و أهمها ارتقاءها الى مركز القوة العالمية و رحلات الاستكشاف و التوسع الاقتصادي , و هذا ما جاء في حكم الملكة اليزابيث الثانية التي زارت في حكمها اكثر من 120 دولة خلال 7 عقود من حكمها حيث بذلت جهداً كبيراً في تشجيع الحوار والتعاون بين أعضاء الكومنولث الأغنى والدول الأقل نمواً في الرابطة.
و من ناحية أخرى كانت لمسات العصر الاليزابيثي حاضرة في حكم اليزابيث الثانية , فما طغى من نهضة ثقافية و فنية في ذلك العصر و أهمها مسرحيات شكسبير الحاضرة لليوم , موصولة بما نتتبعه من اهتمام و تشجيع الملكة اليزابيث الثانية للثقافة و الفن و ما تجسد عنهما في الأفلام و الدراما , و كأن ميثولوجيا الملكة و قصصها رحلة ضرورية و قصة معبرة روايتها حق للناس , فكانت الهاماً لكثير من سيناريوهات الأفلام التي حظيت بأوسكار و منها الملكة 2006 و خطاب الملك عام 2010 و مسلسل التاج عام 2016 و عدة أفلام وثائقية ترافقها بصمة bbc .
و لعل مشاركتها في فيلم لمدة ستة دقائق مع دانيال كريج بطل جيمس بوند هو الحدث الأهم فنياً الذي يؤكد رسالتها بأن الفن وسيلة عبور و تعبير و قرب من الناس و كسب للرأي العام و كان هذا الفيلم هو الترويج الأهم لحفل افتتاح دورة لندن للألعاب الأولمبية عام 2012. و تقاطع هام مع الملكة إليزابيث الأولى التي قامت بنفسها بكتابة و ترجمة العديد من الاعمال.
فقد كان محقاً ونستون تشرشل حينما استلمت الملكية إليزابيث الثانية : “اننا امام عصر إليزابيثي جديد “.
و لعل ما ميز الاليزابيث الأولى خطوتها نحو تفعيل دور المرأة و التخلص من سطوة الذكر , فصورة الملكة في قصص الكرتون و الاساطير تختلف على ارض الواقع مع التوجه الذكوري الذي يسيطر على العالم , و إن الباحث في شخصية الملكة سيجد انها من الشخصيات التي تجذرت في التاريخ قولاً و فعلاً و انها قادت الأمور , حيث كان خطاب الملكة اليزابيث الأولى التي القتها في تيلبوري في إسيكس: ” أعلم أنني امتلك جسداً لامرأة ضعيفة ضعيفة , لكن لدي قلب و بطن ملك , و أعتقد أن ازدراء بارما أو اسبانيا, أو أي امير في أوروبا , يجب أن يجرؤ على غزو حدود مملكتي , التي ستنمو بواسطتها بدلاً من أي عار ,سأحمل السلاح بنفسي , و سأكون جنرالك , و الحكم ,و المكافئ لكل واحدة من فضائلك في هذا المجال ” .
فتعود بنا حكم الملكات الاليزابيث الى فترة الحكم الأنثوي و الذي رسخ نجاحه عبر التاريخ , فالمعدة و البطن لا يكملون الجسد دون قلب .
فهل مات قلب بريطانيا بوفاة الملكة إليزابيث الثانية , في تبوأ الأمير تشارلز الثالث ملكاً لإنجلترا؟
رسيماً فأن مراسم جنازة الملكة إليزابيث الثانية ستستغرق 10 أيام في إطار ما يعرف بخطة “سقوط جسر لندن” الملكية , وفي اليوم الثاني من الوفاة، اجتمع مجلس الانضمام الذي يضم شخصيات حكومية رفيعة في قصر سانت جيمس و اعلان ولي العهد تشارلز ملكا جديدا للبلاد.
بقلم: راوية ذياب