الثاني من ديسمبر موعد مع التاريخ والحاضر والمستقبل، موعد مع الفخر والعزة، موعد نقلّب فيه مجد ماضينا، ونعاين فيه زهوة حاضرنا، ونستشرف فيه مسار مستقبلنا. في هذا العام يأتي الثاني من ديسمبر عيداً وطنياً محمّلاً بإنجازات خمسين عاماً، ليكون مناسبة نجدد فيها العهد والولاء للوطن والقيادة، وأن العبور للخمسين الثانية سيبقى محمّلاً بالروح والأهداف النبيلة والنوايا الصادقة نفسها، والعمل الجاد والطاقة الإيجابية، التي ترفع الرايات أكثر وأكثر.
سيظل الثاني من ديسمبر تاريخاً وطنياً إماراتياً عزيزاً، ومناسبة للفخر القومي العربي، بل يوماً مضيئاً على نموذج عالمي لدولة اخترقت المستحيل، ويوماً للتمعن في كفاح مؤسسي اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وكيف انتصرت الحكمة والمبادئ والغايات الشريفة من أجل المصلحة الجماعية، في نموذج للوحدة، وُجد ليبقى، وليقدم دروساً عملية في الوحدة والنهضة، ومدى ترابطهما معاً في علاقة عضوية لا تنفك.
الإمارات قصة مجد للإماراتي والعربي، ومقصد عيش عالمي، ليس لأنها بلد أعمال فقط، بل لأن أسلوب الحياة فيها يضمن الكرامة الإنسانية لكل من يطأ أرضها، حقوقه مصونة، آمن على ماله وعياله، وكل شيء، مثله مثل أي إماراتي، بلا تمييز، بل انسجام وإيجابية وسعادة ورغد عيش تحت مظلة قانونية، تكفل العدالة للجميع.
إنها براعة المؤسسين المغفور لهما، بإذن الله، الشيخين زايد وراشد وإخوانهما الحكام، وقوة إرادتهم، في تحويل الحلم إلى حقائق، والمستحيل إلى ممكن، عبر رؤية، لمّت الشمل، وجمعت الطاقات، وبثّت روح العمل الجماعي في شرايين الاتحاد، حتى غدا ذلك أسلوب تفوق إماراتي بامتياز.
هي براعة المؤسسين، وإدراك وفهم حملة الراية من بعدهم لقيمة الاتحاد باعتباره القوة والضامن للخير والمستقبل، فنهج خليفة يضيء من تلك الرؤية سياسات تفيض خيراً في كل الاتجاهات، وتزيد الاتحاد قوة، وهي عقيدة سياسية يؤمن بها وينفذها ثنائي استثنائي في الحكم الرشيد الشيخان محمد بن راشد ومحمد بن زايد وإخوانهما الحكام، في مسار واحد نحو الدولة الأفضل في العالم.
صحيح أن الثروة النفطية كان لها دور مهم في بناء صرح الاتحاد، لكن الأهم التصميم الدائم على إدارة عائدات هذه الثروة في البناء والتأسيس، وتعميم خيرها على كل الشعب، بتشكيل أنظمة تعليمية وصحية وقانونية واقتصادية، وضمان رغد العيش لكل إماراتي، وتعزيز المواطنة لديه، وصون حقوقه وتعريفه بواجباته، عبر المساواة بفرص التعليم والعمل والرعاية الصحية والإسكان، والمساواة بين الجنسين بنص دستوري، وأن الجميع سواسية أمام القانون ولا أحد فوقه.
وتأكيداً على ذلك، فمن اللافت أنه لا يوجد مواطن يقيم في الخارج بصفة دائمة خارج وطنه، إلا للتعليم أو العلاج أو السياحة، ولا يوجد أي مواطن يبحث عن فرصة عمل في الخارج، أو طلب اللجوء إلى الخارج، أو تخلى عن جنسيته لصالح جنسية أخرى، والسبب أن بلده ضامن لحقوقه، يوفر له أكثر من توقعاته، منذ لحظة ولادته.
من هنا، نجد المواطن يبادل وطنه العطاء بالانتماء والفداء، وقد يتوهم البعض أنه يبالغ في خطاب الانتماء وهويته الوطنية، لكن ما يدحض هذا الوهم هو لغة الخطاب والانتماء عند المقيمين على أرض الإمارات، والذين يبادلونها مشاعر حب وانتماء مماثلة، لأنها أعطتهم ورعَتهم وأدهشتهم، ووفرت لهم أفضل بيئة عمل وعيش وعدالة مثل مواطنيها، لذلك يشاركون في المناسبات الوطنية الإماراتية كأنها تخصهم، ويتحدثون عن الإمارات بنفس مشاعر شعبها.
في تحديد أسباب نجاحات الإمارات ليس هناك إلا سبب واحد، يشكل جذر كل النجاحات، وهو الرؤية، التي وضعت اللبنة الأولى للاتحاد، واستمرت طاقة لا تنضب في تفكير القيادة، جوهرها بناء الإنسان، فكانت كل الجهود والخطط والإنفاق ولا تزال، تذهب إلى بناء قدرات مواطنيها، فنجحت بشكل مدهش، وحققت المعجزات في خمسين عاماً، حتى احتلت صدارة معظم المؤشرات الدولية، فبنت دولة حديثة تجاري العصر، بل تسبقه، وفي الوقت نفسه حافظت على تراثها باهتمام شديد، ونهلت منه في كل خططها وبرامجها، لتكرس هوية وطنية أصيلة بين الأمم، وهي الهوية التي منحتها صفة العالمية، على قاعدة بديهية، بأن أي فعل لن يكون عالمياً إلا إذا كان جوهره محلياً، فتلك الشخصية المسكونة بكل ما هو إماراتي والمؤمنة برؤية الاتحاد، هي التي جعلت التميز لغة وأبجدية إماراتية، وهي التي جعلت الإمارات وجهة عيش وعمل واستثمار، يتدفق إليها الأفراد والشركات من كل أنحاء العالم، في دلالة على صوابية الرؤية ونجاحها المبهر، وهي التي أدخلت الإمارات نوادي عالمية، ظلت، لعقود، حكراً على دول لا تتعدى أصابع اليد، فهي اليوم عضو نادي الدول النووية وعضو نادي الدول الفضائية، وبفضل تلك الشخصية الوطنية تصدرت الإمارات معظم مؤشرات جودة الحياة العالمية، وبيئة الأعمال في حاضنة هي الأكثر أمناً وأماناً في العالم.
لقد أدرك الفكر السياسي الإماراتي في وقت مبكر، أن الرؤية التي تعتمد على بناء الإنسان وتنمية قدراته ومهاراته، هي القادرة على تحقيق الأهداف، فكان الإنسان هو الهدف والوسيلة، وبعد سنوات من التأهيل والتدريب للكوادر الوطنية، أصبحت الإمارات من مستورد للخبرات إلى مصدر لها، في كل الاتجاهات، وفي كل المجالات، بعد أن نجحت تلك الكوادر في تطبيق وتنفيذ الرؤية، فأبدعت وأذهلت، حتى صارت الإمارات دولة مؤثرة وحاضرة فاعلة في كل القضايا العالمية، وكان تأثيرها واضحاً وملموساً في استنساخ نموذجها في العديد من دول العالم، شرقه وغربه.
تلك الرؤية ما زالت تعطي وتتطلع إلى المستقبل بثقة وأمل، متسلحة بالعلم والمعرفة والخبرة والإرادة والتصميم، وترفع سقف طموحاتها إلى أفق بلا حدود، وهي تتطلع إلى الخمسين الثانية، مدركة أن الأهداف تتطلب مضاعفة الجهود، في ظل عظم الطموح وصعوبة التحديات، وزيادة التنافسية وسرعة التحولات.
ولم تكتفِ الإمارات بتحقيق التقدم لشعبها، بل تريد ذلك للعرب جميعاً، فرؤية قيادتها تؤمن بأن كل نجاح يتحقق في بلد عربي يمثل قوة مضافة لصالح العالم العربي بأسره، فقد كانت الإمارات دائماً، ومنذ تأسيس الاتحاد، جزءاً من الإجماع العربي، وقدمت المساعدات والدعم لكل من احتاج من الأشقاء، وهي سياسة مستمرة إلى اليوم، وأطلقت مبادرات تلو مبادرات لتمكين الشباب العربي معرفياً وعلمياً وإدارياً وثقافياً، ووضعت خبراتها بتصرف الجميع، ضمن مسعاها لأمرين: الأول استعادة الإجماع العربي نحو القضايا المصيرية، والثاني أن تستأنف هذه المنطقة دورها في الحضارة الإنسانية، وأن تفتح الأمل للشباب ليأخذوا دورهم في بناء أوطانهم بدل مسعاهم إلى الهجرة.
هذا هو إيمان قيادة وشعب الإمارات بالمشتركات العديدة، التي تجمعها مع كل الدول العربية، والتي تجعل الجميع جسداً واحداً، يحتاج فقط إلى روح العمل الجماعي، مثل تلك التي تسري في شرايين اتحاد الإمارات، بل إن الدور الإماراتي تجاوز الإقليمية إلى الفعل الإيجابي الدولي، فالدور الإنساني العالمي الذي تمارسه الإمارات، أحدث أثراً كبيراً في حياة الملايين من البشر حول العالم، وخصوصاً في التعليم والرعاية الصحية والإغاثة من الكوارث، والتي كان آخرها دورها في مواجهة جائحة كورونا، في تجسيد حي للرؤية الوطنية على الساحة الدولية، عبر القيم التي آمنت بها قيادة الإمارات وشعبها، كالتسامح والسلام وإغاثة المحتاج والعطاء وتعميم الخير، حتى صار لهذه القيم مؤسسات وطنية، تعمل في الداخل والخارج من أجل تعزيز تلك القيم ونشرها بين الأجيال خدمة للبشرية.
الثاني من ديسمبر تتويج لمسيرة عام، وهذا العام تتويج لمسيرة خمسين عاماً من التقدم والبناء، والذي جاء كل العالم ليتعرف إليه على أرض الإمارات في «إكسبو 2020 دبي»، في أكبر شهادة دولية بمعجزة خمسين عاماً.
كل يوم وأنتِ بخير يا الإمارات، فكل يوم فيك مسيرة وإنجاز، وانتظروا معجزات الخمسين الثانية في بلد صار فيه المستحيل ممكناً، فاستحق لقب بلد اللامستحيل، فالرؤية التي تمت صياغتها قبل خمسين عاماً ثابتة، وتتوهج حضوراً اليوم في مبادئ الخمسين، التي تم إعلانها أخيراً، تحضيراً للانطلاقة الثانية نحو المئوية.
بقلم: منى بوسمرة