تسلط الهجمات الإرهابية التي حصلت في فرنسا ولبنان ومالي وفي سماء مصر، الضوء على مصلحة مشتركة بين الشعوب المتحضرة للقضاء على «داعش». ويتطلب هذا المصاب الدولي إنشاء تحالف غير اعتيادي من الأطراف المستعدة، تحالف يستدعي قيام تعاون بين روسيا والولايات المتحدة،على الرغم من اتساع هوة الخلافات بينهما.
ويراقب حلفاء أميركا في الواقع علاقة واشنطن بموسكو عن كثب. وقد حض الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، أخيراً، حكومة البلدين على تجاوز «مصالحهما المتضاربة أحياناً»، كما انهمك في الآونة الأخيرة بالدخول على خط الدبلوماسية المكوكية بين كلا البلدين،على أمل التمكن من بناء تحالف مناهض ل «داعش».
ويجب ألا يمنع استمرار الخلافات الحادة بين كل من البيت الأبيض والكرملين، على خلفية اجتياح روسيا لأوكرانيا وتركيز نشاطها في سوريا، كلاً من البلدين من التعاون في المجالات التي تكون لهما فيها مصالح مشتركة.
ويكمن التحدي الأبرز لكل من واشنطن وموسكو في تمييز المصالح المشتركة ومنحها الأولوية على النزاعات العدائية. وليست تلك بالمهمة السهلة، نظراً للتوترات الحالية بين البلدين والسجالات التبسيطية الحاصلة في الولايات المتحدة.
وبدلاً من الاستراتيجيات المدروسة، يناصر المشرعون الأميركيون التحركات المتسرعة غير الواضحة، التي عادةً ما تحصل على الثناء لما تتمتع به من طابع الحسم الظاهري على المدى القصير، لكنها عادةً ما تؤدي إلى زيادة الأوضاع سوءاً.
ويتعين،بدايةً، على كل من روسيا وأميركا الكف عن تركيز اهتمامهما على مصير الرئيس السوري بشار الأسد، وقد حاولت واشنطن فيما مضى مساندة قادة أنظمة مستبدة، كالأسد في سوريا، ومعمر القذافي في ليبيا،وصدام حسين في العراق. لقد أيدت المعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان في تلك الدول، ولم تحصد إلا المزيد من الفوضى والدمار، بدلاً من تبدّل المعايير، والطموح نحو ثورة ديمقراطية.
ينبغي على الولايات المتحدة أن تدرك أنه لا يوجد أي قائد في سوريا جاهز لتولي السلطة، وأن الإطاحة بالأسد قد تفضي في الواقع إلى المزيد من إراقة الدماء. هناك مصلحة في ترك الأسد في مكانه لبثّ الاستقرار في المدى المنظور. ففي الحرب ضد «داعش»، يعتبر الأسد أهون الشرين.
ويبدو أن الكونغرس الأميركي يؤيد هذا الموقف، إذ حض بعض أعضاء مجلس النواب الولايات المتحدة على الامتناع عن خوض حرب ضد الأسد، وصنفوا هذا التحرك بأنه يندرج في خانة «الحرب غير القانونية، ذات النتائج العكسية» التي تعمل على تعزيز موقع «داعش».
وقد أشار وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر ذات مرة إلى ذلك بالقول: «سنمضي في التعاون ضمن المجالات والأوقات التي تتفق مصالحنا مع مصالح روسيا، التي يمكن أن تلعب دوراً بنّاءً في إنهاء الحرب الأهلية في سوريا.»
وإذا صبت أميركا وروسيا اهتماماتهما على المصلحة المشتركة بمحاربة «داعش»، فسيتيح ذلك بناء تحالف ثنائي على نطاق دولي واسع. ويتطلب تعاون البلدين تحلي كل من موسكو وواشنطن بحسّ الانضباط والوصول إلى حل وسط، وإبداء الاهتمام بإعادة إحياء المحادثات حول أمن المواد الكيماوية،والتفاهم تحديداً بشأن تهديدات التهريب النووي والإرهاب.
ولسوء الحظ، فإن التعاون حول تلك المسائل قد توقف إلى حدّ كبير، في موقف محزن آخر على تدخل العداوات على خط المصالح المشتركة. فيما لا يعني التعاون في ظل توافق المصالح أن تتغاضى أميركا عن اجتياح بوتين للقرم وجورجيا.
حين تتلاءم المصالح الأميركية مع باقي الدول، فلا بدّ لها من أن تبدي استعداداً للعمل معها، دون أن يعني ذلك حتمية تعاونها مع كل دول العالم، إلا أن إقصاء فرص العمل الجماعي على مبدأ عداوات غير ذي علاقة، يحدّ من قدراتنا على متابعة قضايا أمنية هامة. لا بدّ للنزعة العملانية والمصالح المشتركة أن تحكم سياسة أميركا الخارجية، بما يعنيه ذلك من العمل مع الصديق والعدو على السواء.
في الوقت الذي صادق مجلس الأمن، أخيراً، بالإجماع على قرار يحض المجتمع الدولي لاتخاذ «جميع الإجراءات اللازمة» لتفادي ضربات «داعش»، حجبت الولايات المتحدة أي تصويت على قرار روسي يشدد على دور الأسد في إنهاء الصراع السوري. ويشكل هذا حماقةً، فبينما خصص الأسد المزيد من القوة العسكرية لمحاربة المقاتلين المدعومين من أميركا، بدلاً من قتال التنظيم، كان يمكن لاتفاق وقف النار مع المقاتلين ووضع استراتيجية تعاون بين روسيا وأميركا أن توجه الأسد والمقاتلين السوريين نحو قتال «داعش».
بغض النظر عن قرار مجلس الأمن، يبدو أن روسيا تعيد تقييم تعاونها مع الأسد، وقد أكدت، أخيراً، أن بقاءه في السلطة ليس بالأمر الحتمي.