بقلم: د. موزة العبار – الإمارات
لقد نال الفيلسوف اليوناني أفلاطون، مكانة وشهرة لم يحظَ بها فيلسوف مثله، والسبب محاوراته التاريخية التي ضمنها كتابه (الجمهورية)، وكانت عبارة عن دراما فلسفية حقيقية وضع فيها أفكاره حول (المدينة الفاضلة) على لسان الشخصية الرئيسية فيها (معلمه سقراط)، وليست السعادة- حسب أفلاطون- شأناً شخصياً بقدر ما هي قضية تتعلق بالمدينة ككل، إذ يرى أنه لا يمكن تحقيق الكمال إلا في مدينة محكمة التنظيم. ونحن في دولتنا ولله الحمد وحده، نستهدف جلب السعادة لجميع المواطنين والمقيمين معاً على أرض دولة الخير والسعادة للجميع من دون استثناء، سعادة المدينة ككل، والتي تتحقق بالانسجام بين جميع أطرافها وشرائحها.
في القمة الحكومية، التي عقدت في دبي منذ عامين، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن استحداث منصب جديد في الحكومة تحت مسمى «وزير الدولة للسعادة»، مهمته الأساسية مواءمة كل خطط الدولة وبرامجها وسياساتها لتحقيق سعادة المجتمع.
ومما لا شك فيه من هذا المنطلق وتلك الأهداف، أن دولة الإمارات تسعى جاهدة إلى أن تكون «الإيجابية والسعادة» ركناً مهماً وحافزاً أساسياً في بيئة العمل، ففي مارس الماضي أطلق البرنامج الوطني للسعادة والإيجابية دليل السعادة وجودة الحياة في بيئة العمل، الذي مثل إطاراً استرشادياً علمياً وعملياً متكاملاً لتعزيز جودة الحياة في بيئة العمل السعيدة والإيجابية في الجهات الحكومية في دولة الإمارات.
وعكس الدليل الفلسفة القيادية في كتاب «تأملات في السعادة والإيجابية» لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهدف إلى تعزيز الوعي في الجهات الحكومية حول العوامل الأساسية المؤثرة في بناء ثقافة السعادة وجودة الحياة في بيئة العمل، والآثار الإيجابية لهذه البيئة في الكفاءة والأداء وإنتاجية الموظفين.
وجسد الدليل رؤى وتوجهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إذ يقول سموه: «دائماً انظر لفريق عملك بإيجابية، واعمل على تحقيق السعادة لهم ليحققوا السعادة للمجتمع من حولهم».
إن القارئ والمتتبع للوثيقة الوطنية للإمارات لعام 2021 الذي يصادف احتفال الدولة بيوبيلها الذهبي وعنوانها: «نريد أن نكون من أفضل دول العالم بحلول عام 2021»، والتي أعلنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، كانت بحق مسك ختام خلوة مجلس الوزراء، التي عقدت في قصر السراب الصحراوي في ليوا في المنطقة الغربية منذ أعوام مضت، فالعناصر الأربعة للوثيقة، تؤكد حرص واهتمام قيادتنا الرشيدة على تسخير كل الإمكانات من أجل تحقيق الخير والرخاء لأبناء الوطن وتعزيز أركان الاتحاد، حصننا وعزنا ومجدنا الذي أرسى لبنائه المغفور لهما بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وأخوه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، وهي خير حافز للأبناء والأجيال المتعاقبة، للعمل بإخلاص من أجل رفعة هذا الوطن الذي نعتز ونفخر بانتمائنا إليه، ونسعى للارتقاء به إلى أفضل المستويات، عبر ترجمة الوثيقة إلى خطط وبرامج عمل للوصول إلى طموحات القيادة الرشيدة.
الوثيقة بعناصرها الأربعة، تحمل الكثير من القيم والمعاني في مختلف مناحي الحياة، فإضافة إلى كونها منهاج عمل، فهي تمثل تطلعات كل غيور على هذا الوطن، الذي أعطى الكثير ولم تبخل قيادته على الأبناء، حتى أصبحت الإنجازات حديث القاصي والداني، ويجب أن تظل كذلك نحو المزيد من: «الرقي والنماء».
وعلينا أن نترجم بتكاتف الجهود والإرادة عنوان الوثيقة: «نريد أن نكون من أفضل الدول في العالم بحلول عام 2021»، لتظل دولتنا الفتية في المقدمة ومحط أنظار العالم، بالجد والمثابرة والعمل الدؤوب في إرضاء الناس وسعادتهم.
ولذا يوجب علينا البقاء متيقظين للتوجهات والتحديات التي ستصادفنا، منطلقين من قراءة صريحة وعميقة لوضعنا الراهن ومواكبين للمتغيرات والمستجدات ذات السلب والإيجاب من حولنا. لقد أكد مسؤولون في الإعلام المحلي، أن المهلة التي منحها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للجهات الاتحادية التي قلت فيها نسبة الرضا الوظيفي عن 60 % لم تأت من فراغ، حيث إن القيادة الرشيدة في الإمارات تضع الإنسان ضمن الأولويات القصوى.
إذاً ما نستطيع قوله: لا يختلف اثنان على أن الرضا الوظيفي هو: «الطريق الآمن في بيئة العمل»؛ والذي بدوره يؤدي إلى التحفيز على الإنتاجية والإبداع والابتكار والحداثة والتطوير، ما ينعكس بالإيجاب على تعامل موظفين المؤسسة مع جمهور المتعاملين، الأمر الذي يخلق نوعاً ومزيجاً من السعادة والرضى والقبول والتناغم بين الرؤساء والمرؤوسين وجمهور المتعاملين.
وكان استطلاع نشرته «البيان» في 18 مارس الماضي عبر موقع الصحيفة الإلكتروني ومنصاتها على «فيسبوك» و«تويتر» أظهر أن مسؤولية تعزيز السعادة في بيئة العمل تقع على عاتق المسؤولين، إذ ذكر 82% على موقع «البيان الإلكتروني»، أن تعزيز السعادة في بيئة العمل مسؤولية المسؤولين، بينما تحدث 18% أنها تخص الموظفين، وعلى حساب الصحيفة في «فيسبوك» أكد 86% أن تعزيز السعادة على عاتق المسؤولين، بينما أجاب 14% أنها مسؤولية الموظفين. وعلى «تويتر» أكد 83% أن تعزيزها يخص المسؤولين، و17% قالوا عكس ذلك.