طالت براثن الحرب الأهلية عدن، ثاني أكبر مدن اليمن في 19 مارس الماضي، قبل بضعة أيام فقط من إرغام الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي على الخروج من المدينة على متن مركب نقله إلى السعودية التي قادت منذ ذلك الوقت تحالفاً عربياً لشن غارات جوية تهدف للتصدي للمتمردين.
إنها معركة ضارية، فما إن تجتاز الخطوط الأمامية التي تقسم اليمن اليوم، حتى تلاحظ حجم الدمار، وترى مقاتلين شباباً يحملون الرشاشات فوق أكتافهم، ويعمدون إلى تفتيش المركبات القليلة التي تجرؤ على العبور من هناك، بحثاً عن طعام أو أسلحة يمكن أن تصل إلى أيدي أعدائهم.
أما على الجهة الشرقية للمدينة فيصطف طابور من المركبات والسيارات عند نقاط التفتيش. ويقاطع ضجيج الزحام صوت أعيرة نارية يطلقها مسلحون متأهبون. أما شوارع مدينة خورمكسر، حيث يقع المطار الذي تم نسفه، فمقفرة تماماً. ويحيط ركام الأبنية المسواة بالأرض والدبابات المحترقة مستشفى الجمهورية التي أصبحت مقراً للرعب في الآونة الأخيرة، بعد أن تعمد قناص من المبنى المقابل قتل كل جسم يتحرك بداخلها. ولن يفيد القتال المضاد في حماية موطئ قدم المدافعين في المنطقة. فثلث المدينة يخضع لسيطرة المتمردين الذين يضمون في صفوفهم مزيجاً من ميليشيات الحوثيين وبعض الوحدات العسكرية الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.
لاتزال القوات التي تقاتل تحت لواء المقاومة الجنوبية تسيطر على الضواحي الغربية للمدينة، ويدير قائدها سيف الضالعي العمليات مما كان يعرف بالنادي الاجتماعي للبترول البريطاني القريب من مصفاة النفط غربي المنطقة المعروفة بعدن الصغرى.
فشلت محادثات السلام التي ضمت ممثلين عن هادي والحوثيين في جنيف أخيراً، وذلك بعد أن أخفق الطرفان في الاجتماع في غرفة واحدة.
كما قضت حادثة رمي الأحذية خلال مؤتمر صحافي خلال الأيام الخمسة من «محادثات الوساطة» على آمال وقف إطلاق النار.
ويعقد مقاتلو الضالعي حالياً الآمال على الاستقلال. وتتألف قوات الضالعي بمجملها من عناصر أدوا الخدمة العسكرية في الجيش القديم التابع لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وهي دولة كانت قائمة في جنوب اليمن قبل أن تتوحد مع شماله عام 1990. وتم ضم القسمين بالقوة بعد سحق المعارضة التي نشأت في جنوب اليمن خلال حرب أهلية لم تدم طويلاً، لكنها اتسمت بوحشية فظيعة عام 1994.
وقال الضالعي: «لقد كان جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية واحداً من أفضل الجيوش في المنطقة. وإننا نعتمد على رجاله اليوم لتدريب أبنائنا وأحفادنا في الجبهة الجنوبية».
منع حصار الحوثيين للمدينة، لفترة ليست بالقصيرة، وصول الغذاء والمعدات الطبية عبر الطرق البرية المعتادة. أما شحنات الطعام الطارئة فقد عادت أدراجها بعد تعرضها لإطلاق النار.
انتشرت الأمراض في البلاد وأوقعت الضالعي نفسه، القابع في المستشفى بعد إصابته بحمى الضنك.
وقال سامح قاسم، المدير العام السابق لهيئة الصليب الأحمر: «قد تكون الحرب وراء مقتلنا أو الحمى. لكن الموت هو السبيل الوحيد المتاح أمامنا».
وقال سامح قاسم المدير العام السابق لهيئة الصليب الأحمر في مستشفى الجمهورية، والنازح حالياً بفعل الأحداث: «الحوثيون يملكون جيشاً أكبر عدداً وعدة. وكان وصولهم إلى المصفاة مجرد مسألة وقت، ولكننا نقاتل لتظل مدينة عدن كلها صامدة».