|  آخر تحديث يونيو 21, 2017 , 11:49 ص

“العروبة .. وهزي اليك بجذع النخلة”


“العروبة .. وهزي اليك بجذع النخلة”



في هجير الظهيرة …

وعلى رمال الصحراء الملتهبة…
حافية القدمين..
تائهة..
عند مفترف طرق صحراوي ..
وبلا بوصلة ترشدها …
توقفت …
والحيرة قد لبست وجهها كقناع.
ولبرهة … عادت إليها ذكريات الماضي …
هي ذاتها التي كانت ذات دهرٍ…إن أسفرت عن وجهها الصبوح… خَفَتَ نور الشمس خجلاً.
أي طريق تسلك …وأي اتجاه تتجه !!!
ثمة وميض في الأفق البعيد…
إنه السراب … فخبرتها الطويلة في الصحراء لا تخطئه ..
التفتت يساراً …
لاح لها من بعيد سرب قطا متثاقلاً على أجنحته وكأنه تعِبٌ من التحليق طويلا…
أدارت وجهها تلقاء اليمين …تلك قافلة تحث الخطا حثيثة ..
وكان صوت الحادي يصلها خافتاً جداً رغم بعد المسافة…
فكرتْ لوهلة باللحاق بالقافلة… إلا أن قدميها لم تسعفاها لكثرة الحروق التي تسببت بها الرمال الملتهبة…
تحيط بها شجيرات شوكية يابسة … وأرض قاحلة متشققة.. وكأن الماء لم يزر هذا المكان منذ عصر فيضان نوح…
فكرت ملياً..!!
لا يمكنها السير أكثر…لأن التعب قد تمكن منها والحيرة قد تملكت كل كيانها.. فلا مؤشر ولا مرجح لصحة اختيار أي من الطرق على المفترق.
جلست بقرب شجيرة صغيرة كثيفة الشوك لا يكاد ظلها يغطي سوا قدميها المتورمتين…
وأخذ الخيال يطوف بها في الماضي بكل تفاصيله الجميلة…وصولاً الى الحاضر المؤلم ..ما استدعى لؤلؤات من مقلتيها كي تتدحرج على خدها الذي لفحته حرارة الشمس الملتهبة …فصار أسمر كما وجه ليلى العامرية
عادت بها الذكريات بعيداً إلى الماضي… حيث كانت تلعب مع أخويها قحطان وعدنان في واحة النخل الوارفة الظلال ولا يعكر صفو حياتها شيء…
كان ابن الملوح ينشدها اشعار ليلاه… و كان جميل بثينة يطربها بآهاته وجداً الى محبوبته.
اما حاتم الطائي فكان في أوج عوزه يطعمها من شهامته ورجولته ونخوته.
وعندما غابت الشمس أخد النعاس يغزو مقلتيها…فخلدت الى نوم عميق الى أن افاقت على حلم جميل راودها ما جعل من مشاعرها خليط من حزن وألم وفرح وذكرى…
ما إن خلدت الى النوم حتى زارها ابن الخطاب…
وعلى غير ما تعرفه.. كان كله حنان ورحمة …
جاءها وكانت لحيته مبللة من العرق الذي أصابه جراء الحر الشديد
-كيف حالك يا اماه…ما لي اراكِ تائهة في الصحراء هائمة على وجهك في مفترق طرق حارَ به كل من وصل اليه…
اين وجهتك يا اماه…؟
-تعال يا بني اشكو اليك ما بي …
قد ماتت اخواتك جميعا… نخوة ..و شهامة ..و رجولة …أما أخاك عربي فقدْ فقدَ رجله وعينه ويده في حرب بينه وبين ابناء عمه .. وها انا قد شردتني الحرب…
أما لغتنا يا بني… اه من لغتنا!!!..
غزاها الغزاة .. ولوثها الملوثون ولحقها اللحن… وكادت أن تموت.. وهي الان تتطبب فى مشفى عند العجم…

هي تحتضر يا بني… في غرفة الانعاش .. ولا من طبيب يداويها غير الاعاجم

أعرف كل ما حل بنا يا أماه..
حزنت جدا على ما آلت اليه أحوالنا .
عندما تستيقظين خلف تلك التلة توجد نخلة وتحتها بئر ماء.. اذهبي الى هناك علّ تمرها وظلها يخفف عنك ما أنت فيه…

استيقظت عروبة على ضوء الشمس الحارق

ومن فورها توجهت نحو الشرق تلقاء النخلة. وجدتها باسقة وارتمت بظلها فأجاءها الجوع فنادها طيف عمر أن هزي اليك بجذع النخلة تساقط عليكي ايات بينات…فيهن خلاص لك ولأبناءك…
وتساقطت عليها ايات وكان مما بعث الأمل في روحها المتعبة آية (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) انتعشت روحها بالأمل.
فعرفت طريق الخلاص وتوجهت تجاه مكة ولما وصلت المدينة.. قالت لمن حولها( اني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيا حتى لا يكتب ابنائي سوى بالفصحى)

 

 

 

بقلم: أحمد رياض الخليل – (سوريا) 


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com