ما من شك أن الطائفية لن تنتهي إلا بانتهاء نظام الملالي في طهران.. ويمكن أن نحدد بداية الصراع الطائفي الذي نعيشه اليوم بالعام 1979م، الذي اختطف فيه الخميني الحكم؛ قادماً على طائرة فرنسية ليعلن عقيدته الخاصة بتصدير الثورة ودروشة الولي الفقيه؛ ما كان لهذا النظام أن يعيش لولا استغلاله المذهب الشيعي غطاء لمشروعه التوسعي، واختراعه عدوا خارجيا دائما “السنة” يكسبه الشرعية ويبرر سياساته في الإنفاق على تسليح عناصره وسيطرتهم على مفاصل الدولة.. وكاد السيناريو أن يتكرر مع وصول جماعات الإسلام السياسي السني للحكم؛ لولا انتفاضة الشعوب ضدها.. وتراجع بعض قياداتها عن أوهامها الأممية بعد فشلهم على أرض “التجربة”.
بداية الأسبوع الماضي أعلنت مملكة البحرين ضبط تنظيم إرهابي يضم أكثر من 54 شخصاً. ولم يكن هذا هو التنظيم الأول من نوعه ولن يكون الأخير، طالما أن إيران، الراعي الرسمي للإرهاب والفوضى في المنطقة، تواصل نهجها، الذي لا تريد التخلي عنه، في ضرب الاستقرار بطرق شتى، من بينها زرع الخلايا والتنظيمات الإرهابية، وتوفير التدريب لها في معسكرات تابعة للمؤسسة الشيطانية المعروفة باسم «الحرس الثوري»، سواء في إيران أو في دول أخرى نجح الحرس الثوري في استقطاع أراض منها وجعلها تابعة له، مثل العراق ولبنان، لتصبح هذه الدول ساحة لتنفيذ المخططات الإيرانية على أيدي ميليشيات طائفية تدين بالولاء لإيران.
كما سبق القول، ليس هذا هو الحادث الأول، لكن هناك تطوراً في نوعية جرائم التنظيم، الذي تم الكشف عنه أخيراً، فالهجوم على مركز التأهيل والإصلاح في «جو» الذي استشهد فيه شرطي بحريني في أول أيام العام الجاري، كان عملية عسكرية كبيرة تم التخطيط لها والتدرب عليها خارج البحرين، ونفذها أعضاء من التنظيم. وكما أوضحت وزارة الداخلية البحرينية وقتها، أعلنت «قناة أهل البيت» التي تمولها إيران إثر الهجوم الإرهابي، أن «العملية تمت بنجاح». وفضلاً عما ينطوي عليه هذا الإعلان من استفزاز وتشجيع للإرهاب في أقبح صوره، فإنه يكشف ضمناً عن ضلوع إيران في التخطيط لهذا العمل الإرهابي وإشرافها على تنفيذه.
كان الهدف من الهجوم تهريب إرهابيين دينوا بجرائم قتل وتخريب. وهرب عشرة متهمين، وحاولوا الفرار إلى ملجئهم الطبيعي في إيران، لولا يقظة رجال الأمن البحرينيين الذين أحبطوا خطة الهرب في ضربة قاصمة للإرهابيين وأعوانهم. ولم تكن عملية «جو» هي الوحيدة في قائمة جرائم التنظيم، كما أفادت جهود التحقيق، إذ شملت هذه الجرائم محاولة تهريب أسلحة رشاشة ومتفجرات في طراد على أحد الشواطئ، واغتيال أحد ضباط الشرطة في منطقة «البلاد القديم»، والهجوم بأسلحة نارية على دورية للشرطة في منطقة «بني جمرة»، وكلها جرائم تشير إلى استخدام أقصى أشكال العنف المتاحة. ولولا سرعة التحرك واليقظة البالغة والقدرات العالية للمؤسسات الأمنية في مملكة البحرين لتضاعفت أعداد هذه الجرائم وتفاقمت خسائرها البشرية والمادية.
التفاصيل التي قدمتها الأجهزة المختصة في البحرين تكشف عن حجم المؤامرة وتشعبها وامتدادها، فقادة التنظيم يعملون من بعد، ويستخدمون شبكات معقدة من العلاقات والاتصالات لتنفيذ مخططاتهم. وبحسب التحقيقات فإن أحد قادة التنظيم الإرهابي يتخذ من ألمانيا مقراً له، ويدير من هناك تحركات أعضاء التنظيم وانتقالاتهم وسفرهم لتلقي تدريبات عسكرية واستخباراتية وتقنية، ثم عودتهم إلى البحرين في ما بعد لينفذوا مخططاتهم الإجرامية. وبالطبع، فإن عدداً من قادة التنظيم يتخذون من إيران أو العراق مأوى ومقراً لهم، ومثل هذه التحركات المعقدة لا يمكنها أن تتم إلا برعاية أجهزة استخباراتية ذات إمكانات ضخمة، تنسق جهود الأعضاء وتحركاتهم وتوفر لهم أشكالاً من التغطية والتعمية على أهدافهم الأصلية، وتزور لهم الوثائق، وتوفر لهم الأسلحة والمتفجرات ووسائل الاتصال، وتيسر لهم تهريبها إلى داخل البحرين لاستخدامها في عملياتهم.
ضمن القضية أيضاً، هناك إحدى البصمات المعروفة لـ «حزب الله» اللبناني، وهي إيلاء الجانب الإعلامي أهمية قصوى، إذ حاول التنظيم الإرهابي البحريني تهريب تقنيات لتسجيل عملياته الإرهابية بواسطة طائرات لاسلكية، وذلك من أجل بث هذه العمليات واستخدامها في المعركة الدعائية التي يسعى التنظيم من خلالها إلى إظهار الوضع في البحرين وكأنه يفتقر إلى الاستقرار، والإيحاء بأن المؤسسات الأمنية في البحرين غير قادرة على التصدي للإرهاب، وبأن التنظيمات الإرهابية ذات قدرات وإمكانات كبيرة، ما يجتذب إليها مزيداً من الأنصار والأتباع، ويصدِّر صورة إلى العالم بأن البحرين أصبحت أسيرة الفوضى.
من بين المتهمين في القضية، هناك 12 متهماً هارباً إلى إيران والعراق، ولو كانت إيران دولة طبيعية لسارعت إلى تبرئة ساحتها بإتاحة الفرصة للعدالة للوصول إلى المتهمين والتحقيق معهم وفقاً للأصول القانونية، ومن ثم يمكن إثبات التهم أو نفيها، لكن إيران تبدو غير معنية بإبعاد الشبهات القوية حولها، أو بنفي دورها في ما تتعرض له البحرين من عمليات إرهابية. ويبدو أن إيران تعتبر تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول العربية أمراً عادياً لا يستوجب التوضيح أو الإخفاء، وهذا السلوك ناجم عن شعور الاستعلاء الأجوف والإحساس بالقوة، وهو شعور زائف يحاول أن يتناسى جوانب الهشاشة والضعف التي تضرب المجتمع والدولة في إيران، وأن يتناسى كذلك ما تمتلك دول الخليج من مقومات للقوة قادرة على ردع إيران حين تتجاوز الخطوط الحمر.
كشف الخلية الإرهابية، ومن قبله إحباط تهريب الإرهابيين العشرة إلى إيران، ينبغي أن يمثل رسالة إلى من يهمهم الأمر في طهران بأن مخططاتهم محكوم عليها بالفشل، وأن يد الأمن والعدالة في البحرين قوية وقادرة على أن تتصدى لكل ما يحاك من مخططات خبيثة في دوائر صناعة القرار الإيراني لتحقيق اختراق في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بعد أن «نجحت» بذلك في دول مثل العراق وسورية ولبنان، هذا إذا اعتبرنا الخراب والفقر والفشل والحروب الأهلية «نجاحاً». ويغيب عن المتآمرين في إيران أن عوامل الضعف كانت ضاربة في البنية السياسية والاجتماعية لهذه الدول قبل أن تتسلل اليد الإيرانية وتُجهز على ما تبقى من عوامل العافية فيها.
البحرين، بتماسكها الداخلي ووحدة الصف الوطني فيها، عصية على الاختراق، على رغم كثافة الاستهداف الإيراني وتحول بعض رجال الدين المتطرفين إلى أدوات إيرانية بحتة، ومحاولتهم زرع الطائفية المسمومة في بلد امتاز على الدوام بأنه واحة للمواطنة واحترام الحريات الدينية وتعدد الآراء والأصوات والاتجاهات السياسية، وكان الأسبق إلى ذلك بين دول الخليج العربي. وإلى جانب ذلك يحقق مستويات عالية من الرخاء والازدهار لمواطنيه، ويحتل مراتب متقدمة في كثير من المؤشرات الحيوية على المستوى العالمي. وعدا قلة استحكم فيها التطرف الطائفي، فإن شعب البحرين يدرك دوره في الحفاظ على مكتسباته، ويرفض المزاعم الطائفية، ويدعم دولته في حربها على الإرهاب المستورد من إيران.
من هنا، فإن الرهان على تغير إيراني قريب لا يبدو في محله، وربما يدخل في باب السذاجة التي تضر بأصحابها. ولا تنطوي الزيارات، التي يقوم بها الرئيس الإيراني حسن روحاني أو وزير خارجيته، إلى بعض دول مجلس التعاون، على جديد، إذ حط روحاني رحاله في عاصمتين عربيتين الشهر الماضي، ورحل من دون أن تُسمع منه كلمة واحدة تفيد بأن إيران على استعداد لمراجعة سياساتها التي تخلق الأزمات والتوترات، أو حتى تهدئة حدة التصريحات الاستفزازية والعدوانية من جانب معظم الأطراف في نظام الحكم في إيران.
وفي الفترة الاخيرة دشن مدونون ومغردون عرب هاشتاق #لماذا_نبغض_إيران، وذلك لفضح السيايات الإيرانية العدائية ضد الدول العربية. وبمجرد إطلاق الهاشتاق حصد أكثر من 20 ألف تغريدة، يرجع أغلبها إلى مدونين من الكويت والسعودية والمغرب، وبمعدل رؤية للتغريدات تجاوز 4 ملايين مستخدم.
ما يحدث أنه بعد أن فشلت داعش والقاعدة برعاية إيرانية خلال العشرين عاما الماضية في النيل من المملكة بالعمليات الإرهابية؛ انتقل نظام الملالي إلى التحالف مع قوى متطرفة عالمية نافذة لشيطنة “الوهابية”.. وهي مرحلة خطيرة تتطلب من مؤسساتنا الدينية الرسمية التنبه والتحرك بمستوى هذا التهديد.
قبل أسبوع تقريباً، قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش إن دول مجلس التعاون وضعت ثلاثة أسس للتعامل مع إيران في شكل إيجابي، وهي: توقُّف إيران عن التدخل في الشؤون الداخلية لجوارها العربي، والتوقف عن محاولات «تصدير الثورة»، وقبول مبدأ المواطنة على أساس الوطن وليس على أساس المذهب. وهذه الأسس أقرب إلى البديهيات السياسية في التعامل بين الدول، لكن إيران لا تبدو مستعدة لقبولها. وإلى أن يتبلور واقع جديد يدفع إيران إلى مراجعة سلوكها، يجب الاستعداد لمواجهة أي تجاوز من جانبها بكل قوة، وبكل الوسائل المتاحة، ولنا في «عاصفة الحزم» خير دليل.
بقلم: محمد عبدالمجيد علي – ( مصر )
emirate_dubai2000@yahoo.com