|  آخر تحديث فبراير 15, 2017 , 3:08 ص

الإذاعة التي نريد


بقلم: آمال إيزة - ( الجزائر )

الإذاعة التي نريد



شاءت الأقدار أن أغيب أمس عن حصة صباح الخير التي تبث على أثير أمواج إذاعة صوت العرب بالقاهرة , عندما إتصلت بي الزميلة و الأستاذة عبير لتبشرني بخبر أنني سأنزل ضيفة سعدت جدا كون الموضوع , كان خاص باليوم العالمي للراديو المصادف لتاريخ ال13 من شهر فبراير , كانت الإنطلاقة من الباحث و المخترع الإيطالي ماركوني الذي توصل إلى فكرة إستخدام الإشارات الصوتية لمسافات بعيدة و اجتهد و طور أبحاثه و دراساته إلى أن اخترع جهاز خاص و انشأ شركة ماركوني لتصنيع الراديو و قد تحصل على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1909 , وواصل باحثون آخرون بجد حتى تتطور الإذاعة و تصبح على ماهي عليه اليوم , بمختلف دول العالم .
فقلت في نفسي نعم هي فرصتي لأعبر و أشهد بكلمة حق , لما قدمته إذاعة صوت العرب و عن دورها الكبير الذي لعبته في دعم الثورة الجزائرية 1954 -1962 , فكانت حينها القاهرة أول عاصمة عربية قد أذاعت بيان أول نوفمبر 1954 , كما تمكن الشيخ البشير الإبراهيمي رئيس جمعية علماء المسلمين الذي كان يقيم بالقاهرة , عند بداية الثورة الجزائرية المجيدة , من توجيه نداءاته الحارة و أحاديثه الدينية القيمة إلى الشعب الجزائري و المجاهدين الجزائريين في جيش و جبهة التحرير الوطني.
و أذكر من هذا المنبر الإعلامي أيضا حصة *كلمة الجزائر* التي كانت تبث على أثير أمواج إذاعة صوت العرب , التي كانت تنقل الأخبار و تتابع عن كثب تطورات الثورة الجزائرية إلى أن تم إنشاء مكتب الصحافة و الإعلام بالقاهرة طبقا لقرارات مؤتمر الصومام .
وواصل إخواننا المصريين في الوقوف إلى جانبنا و مساندتنا بقضيتنا و المطالبة بالحرية إثر إدراج ركن آخر كان يذاع بصوت العرب تحت عنوان : ” وفد جبهة التحرير الوطني ” يخاطبكم من القاهرة , فضلا عن نشر القصائد الشعرية و الأناشيد و غيرها من الأغاني التي كانت تحمس المجاهدين و تنشر الوعي و تساهم في عملية تنوير الرأي العام , بما كان يعانيه الجزائريون , غداة فترة الإستعمار الفرنسي .
ماذا عساني أن أقول بهذا المقام ..في حق هذه الإذاعة تغيب عني الكلمات , * صوت العرب* إسم على مُسمى كانت و لازالت و ستظل تدافع عن العروبة و القومية العربية وستخدم النخبة و الثقافة و تساهم في عملية تثقيف المتلقي و تستشرف مستقبله من خلال حواراتها القيمة و حصصها الهادفة .
كانت و منذ تأسيسها بالخمسينات مناضلة و قد لعبت الدور الأساسي في فترة الخمسينات من القرن العشرين , في دعم الشعوب العربية من اجل الحرية و الإستقلال و مقاومة الأطماع الصهيونية في فلسطين و الوطن العربي .
لقد شكلت إذاعة صوت العرب المنبر التاريخي للتعبير عن آلام وآمال المواطن العربي لما اكتسبه من مكانة عميقة في الذاكرة الجماعية وذلك عندما تبنت إستراتيجية مساندة قضايا المنطقة العربية والتعبير عنها وفتح المجال امام المثقفين والسياسيين والمبدعين ان يمتلكوا المنبر التعبيري عن أفكارهم مما جعلها المرجعية السمعية الاولى في وجدان الضمير العربي كما قال لي رئيسنا بالشبكة الجزائرية للإعلام الثقافي , الكاتب و الباحث و الإعلامي الدكتور محمد بغداد إثر حديثي معه عن الإذاعة و تشجيعه لي المتواصل لبذل مجهود أكبر , منوها أن الشعب الجزائري لا يزال يستعيد تلك اللحظات الحاسمة التي تم بث بيان أول نوفمبر والإعلان عن انطلاق الثورة التحريرية من صوت العرب وما امتلكته الأجيال الجزائرية من خبرات وتجارب إعلامية استمدتها من إذاعة صوت العرب وما تلى ذلك من مُتابعة دائمة لأخبار الثورة وانجازات الجزائر التي تابعتها إذاعة صوت العرب بمهنية عالية واحترافية دقيقة.
وتبقى إذاعة صوت العرب الجسر الذي يربط الشعوب العربية وأجيالها الاعلامية المتعاقبة في رمزية التواصل والتعبير الجاد عن روح الانتماء الى المنطقة والثقافة العربية مستجيبة للتحديات الطارئة والتحولات العميقة التي تعرفها المنطقة وهي اليوم تملك من هذه الطاقة ما يجعل منها تلك المنارة الاعلامية التي تتسامى عن كل المعوقات وتمسك بتلك العروة الوثقى المتمثلة في كونها صوت الضمير العربي في كل الحقبة التاريخية.
و عن سؤالي له حول مكانة الإذاعة و دورها في عملية التثقيف و التوعية داخل المجتمع أجابني , أن الرهان الاستراتيجي الذي يقع على عاتق الإذاعة اليوم يتمثل في كيفية استمرار القدرة الاتصالية التي امتلكتها عبر الأساليب السماعية واعتمادها على الذاكرة الجماعية والمخيال الاجتماعي وما علقت به من تراكمات تمنح المستوى الثقافي السبق الأهم في الوصول إلى ذهنية المستمع في مختلف المناطق.
إن التحولات الاتصالية الكونية بقدر ما حملت في طياتها تطورات تكنلوجية إلا أن المضامين الثقافية زادت مساحاتها التأثيرية لتكون الشحنات الثقافية الطاقة التي تستمد منها الإذاعة تسللها إلى أعماق الوجدان الجماعي والتعبير عن تطلعاته وطموحاته وهمومه مستعينا بما تحقق من حميمية وألفة سابقة.
وقد أكدت الإحصائيات المتوفرة في مجالات الصناعة الإعلامية حسب ذات المُتحدث : أن الاعتماد الكلي على المضامين الثقافية والتعبيرات الرمزية يزداد الانتباه إليها من طرف المنتجين للسلع الإعلامية التي تعتبر اليوم الرهان الحاسم في تحقيق الأرباح وكسب المنافسة ولا توجد وسيلة أكثر استفادة من هذه الاتجاهات إلا الإذاعة إذا تمكن القائمون عليها من الاستثمار في الفُرص التكنلوجية الجديدة وصناعة قوالب تواصلية مع الأجيال الجديدة التي بقدر ما الفت التوغل التواصلي بقدر ما تحن إلى الاستهلاك الثقافي الذي يعطيها الأمل في الحاضر ويزيدها التعلق بالمستقبل.
و من هذا المنبر أقول ما أحوجنا إلى إعلام هادف ..يصنع النخبة و يبني الأفكار المستقبلية ..و يساهم المتلقي في إستشراف مستقبله و يصنعه بثقافته ..و بذلك نتحول جميعا إلى الإستثمار في الثقافة بالأخص أننا على مقربة من القرن ال22 الخاص بالثقافات و الأديان, و نحن كفاعلين بالمجتمع المدني نشتغل على جدلية تحويل الصحافي من موظف و مثقف هامشي إلى إعلامي مثقف فاعل و مؤثر بالمجتمع ,تحدياتنا المستقبلية تملي علينا أن نستثمر أكثر بالبشر و نستغل طاقاتهم العقلية و نشجعهم أكثر على العصف الذهني و نحفزهم ماديا و معنويا …لاأستطيع وصف سعادتي و أنا أفتح جهاز المذياع و أستمع بتمعن للحصص الثقافية سواء بالسهرة أو أثناء سفري , فمختلف إذاعاتنا الجزائرية تهتم بذلك و هذا شيء إيجابي يجعنا نحتفظ بالأمل ..آخر مسابقة كانت متعلقة بالقصة القصيرة نظمتها الإذاعة الوطنية الثقافية …فهنيئا لنا بذلك , فلا تحتقروا الأدب و الفن بعد الآن , لأنه صانع المعجزات …بالقراءة و الإستماع إلى الآخر و الحوار و المُثابرة و الإرادة نلتحق بركب الدول المتقدمة .

 

 

 

بقلم: آمال إيزة – الجزائر

الاعلامية والباحثة الإجتماعية


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com