بقلم: فاطمة المزروعي
كل فكرة خلاقة وعظيمة خدمت البشرية كانت بدايتها حلماً، ولعل أهم أحلام الإنسان التي تحققت، بل وصارع لتحقيقها منذ مئات السنين حتى اليوم، هو حلمه بالطيران، ولطالما حلم وهو يشاهد الطيور تحلق في السماء أن يكون مثلها ويستطيع التنقل بسهولة.
إن أحلام وذكاء الإنسان جعله متحرراً من قيود البيئة وحدود المكان، حراً سيداً على هذا الكوكب، وهو الجانب الذي تحدث عنه مطولاً العالم الدكتور جاكوب برونوفسكي، في كتابه المفيد والثري «التطور الحضاري للإنسان»، حيث قال: «تمتلئ كل المناظر الخلوية في العالم بالتكيفات المضبوطة الجميلة، التي ينسجم بها الحيوان مع بيئته، فالقنفذ يظل نائماً ينتظر حلول الربيع ليتفجر نشاطه ويمتلئ بالحياة، والطائر الطنان يظل يضرب الهواء بجناحيه وهو يصوب منقاره الدقيق كالإبرة داخل الأزهار المدلاة، والفراشات تحاكي أوراق النباتات، بل وتحاكي بعض الحيوانات المؤذية، كي تخدع المفترسات، ولكن جهاز الإنسان يمكنه من التوافق داخل كل البيئات ومن بين هذه الوفرة من الحيوانات التي تعدو، وتطير، وتحفر، وتعوم من حولنا، سنجد الإنسان هو الكائن الوحيد الذي لم يحبس داخل بيئته، فخياله ومنطقه وحدة ذكائه وخشونته، كلها تجعله قادراً على ألا يقبل بيئته، وأن يغيرها.
وهذه السلسلة من الابتكارات التي أعاد بها الإنسان صياغة بيئته على مر العصور هي نوع من التطور المختلف، تطور ليس بيولوجياً وإنما تطور حضاري.
إن الإنسان يتميز عن غيره من الحيوانات بمواهبه التخيلية، فهو يرسم الخطط والابتكارات والاكتشافات الجديدة عن طريق تجميع ملكات مختلفة، وتزداد اكتشافاته حذقاً وذكاءً وهو يتدرب على تجميع ملكاته بطريقة أكثر تعقيداً وعمقاً. إننا لسنا بحاجة للخرافات لنغذي أي نقص نعاني منه، ولسنا بحاجة لقراءة منجزات على الورق، نحن بحاجة أن نجعل أحلامنا فعالة مفيدة، لنبني بواسطتها جسراً للمستقبل ونكون مفيدين منتجين لمجتمعاتنا.