كنت على الدوام أحاول أن أشرح لوالدتي حين تعترض على ذهابي للسينما، أن السينما ليست سوى صندوق كبير جداً، أكبر من التلفزيون، لكن بدون أسلاك كثيرة، كهذه التي تتدلى من تلفزيوننا، فتسألني: هل إذا اقتنينا تلفزيوناً أكبر وبلا أسلاك كثيرة، تتوقفين عن الذهاب إلى السينما؟ أقول بإصرار: لا طبعاً، لقد كنت أحاول أن أقنعك بالذهاب معي إلى ذلك الصندوق الكبير الذي بلا أسلاك!!

هذا الحوار كان غالباً ما يحدث بيني وبين والدتي، حين أقرر أن أنسلّ من البيت لأندس في ظلمة قاعة السينما منذ سنوات مضت، لأجل أن أعيش حياة أخرى موازية أحلم بها دائماً، دون أن أعثر عليها، حياة فيها مدن مختلفة، يكون أبطالها ميريل ستريب بشخصيتها الآسرة، وجوليا روبرتس بابتسامتها التي لا تُنسى، أو فاتن حمامة ببحة صوتها وهدوئها، أوجون هوبكنز بطريقته العبقرية في الاستحواذ على المشهد والمشاهد!

في اليوم التالي لذهابي للسينما، أجدني غالباً ما أفعل ما كانت تفعله الصغيرة (ماريا مارجريتا) في رواية (الأفلام)، فكنت أجلس مع إخوتي ووالدتي على مائدة الغداء، وأصير أحكي بلا توقف عن الفيلم الذي شاهدته، وأنا ممتلئة بالبهجة والدهشة، فالسينما قادرة على أن تدخلني بسلاسة في تفاصيل حياة أخرى موازية لا أعيشها، أو لا أستطيع أن أصل إليها في تلك السنوات المبكرة، التي لم أعرف فيها السفر بعد!

في فترة ما كنت كأي فتاة ممتلئة بالأحلام، أسهب في الحديث عن تأثير السينما والثقافة في التغيير، وعن مكانة ودور الممثلين الحقيقيين في حياة مجتمعاتهم، وأن كثيرين منهم يدافعون عن قضايا الإنسان، ويقفون مع الفقراء وضحايا الحروب والمشردين، ويقودون حملات توعية، ويتبرعون لصالح قضايا البيئة واللاجئين وضحايا التمييز و…. إن بعض الأفلام العالمية، اعتُبرت علامات مضيئة في التاريخ، كما أحدثت تحولاً في الأفكار والتوجهات الإنسانية في العالم.

فيلم «الشك» لميريل ستريب، مثلاً، واحد من أعظم الأفلام التي لن أنساها، أو فيلم «سجن شاوشانك»، و«الأرض» و «العراب»، و«12 سنة في العبودية»، و..و… أفلام كثيرة تشكل ذاكرة للإنسانية، وليست مجرد أفلام للفرجة والتسلية والنسيان!

بقلم: عائشة سلطان