بعد مفاوضات شاقة، اختتمت بمدينة شرم الشيخ المصرية، الأحد، أعمال الدورة الـ27 لمؤتمر اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ «كوب27»، مسجلة اختراقاً إيجابياً، بخصوص ملف «الخسائر والأضرار»، بينما بقيت قضايا أساسية عالقة، تنتظر جولات جديدة من المفاوضات لحسمها بشكل تفصيلي، خلال الأشهر المقبلة.
مؤتمر الأطراف، الذي بدأت أعماله في جمهورية مصر العربية يوم الثامن من شهر نوفمبر الجاري، شهد جلسات عمل شاقة، ومفاوضات عسيرة وتوترات، تمخض عنه عدد من النتائج الأساسية؛ أهمها ما يتصل بـالاتفاق على مبدأ إنشاء صندوق لتعويض الدول النامية الفقيرة الأكثر تضرراً من الكوارث المناخية، فيما عُرف بـ«صندوق الخسائر والأضرار»، لدعم تلك الدول على تحمل تكاليف التداعيات الناجمة عن أزمة المناخ، كالفيضانات والعواصف وما إلى ذلك من تبعات ذات صلة.
ويأتي الاتفاق على إنشاء الصندوق خطوة نحو تحقيق «العدالة المناخية»، وفيما وصف هذا بـ«التاريخي» طبقاً لعديد من المشاركين والمراقبين، فإن الأطر التنفيذية لإطلاق الصندوق كانت محل خلاف بين الدول المشاركة، بما في ذلك ما يتعلق بتحديد مصادر التمويل وأدوات توسعة التمويلات، وكذا البلدان المساهمة به (من سيدفع؟) والبلدان الأحق بالحصول على تلك التعويضات (من سيتلقى التعويضات؟)، وهو ما يتم حسمه من خلال «لجنة انتقالية».
أقر المؤتمر تشكيل «لجنة انتقال» مكلفة لوضع الإجراءات العملانية لهذه التدابير الجديدة (الصندوق) ترفع توصيات «للدراسة والإقرار» إلى مؤتمر الأطراف المقبل في 2023 في دولة الإمارات.
على الجانب الآخر، لم يعالج المؤتمر بشكل جذري خطة لخفض الانبعاثات، أو تحديد «أهداف جديدة» في سياق خفض تلك الانبعاثات، وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، لإبداء أسفه، مؤكداً أن «الكوكب لا يزال في قسم الطوارئ.. نحتاج إلى خفض جذري للانبعاثات وهو ما لم يتم معالجته في هذا المؤتمر»، وهو ما دفع أيضاً الاتحاد الأوروبي، في هذا السياق، إلى التعبير عن خيبة أمله.
في قراءة لمخرجات المؤتمر، يقول رئيس لجنة الخبراء بالشبكة المصرية للبيئة والمناخ، د. عبدالمسيح سمعان، في تصريحات لـ«البيان»: إن القمة شهدت «اتفاقاً تاريخياً لم يحدث من قبل» وهو ما يتعلق بالتوافق على آلية (صندوق) لتعويض الدول النامية عن «الخسائر والأضرار» الناجمة عن انبعاثات الغازات الدفيئة، التي تنتجها الدول الصناعية، والمتسببة للاحتباس الحراري، وهو ما يُعد «اعترافاً رسمياً من تلك الأخيرة (الدول الصناعية الكبرى) بأن هناك تداعيات متفاقمة على الدول الفقيرة، ولا بد من تعويضها عن الخسائر والأضرار».
وأولت الرئاسة المصرية للمؤتمر اهتماماً واسعاً بقضية «الخسائر والأضرار»، والتي شكلت محوراً رئيساً ضمن محاور القمة إلى جانب ملفات: تمويل المناخ، وخفض الانبعاثات، وإيجاد حلول لموضوعات التكيف، وبما يشكل أهمية خاصة للقارة الأفريقية، وهو ما دفع وزير البيئة في زامبيا كولينز مزوفو لوصف الاتفاق على تأسيس الصندوق بـ«التاريخي» باعتباره «نتيجة إيجابية يستفيد منها نحو 1.3 مليار في أفريقيا»، ويتابع الخبير البيئي: «تم الاتفاق على مبدأ تأسيس الصندوق (في وقت كانت ترفض فيه الدول الغنية لسنوات الاتفاق على آلية للتعويض)، وتتبقى ملفات عالقة تتصل بالشق العملياتي لإدارة الصندوق، بما يتضمن تحديد الدول المستفيدة والمبالغ المستحقة، ومختلف المعايير ذات الصلة»، وهو أمر متروك لـ«اللجنة الانتقالية».
وبينما لم يرفع المؤتمر الطموحات بشأن خفض الانبعاثات مقارنة بالقمة السابقة في غلاسكو يلفت سمعان إلى أن مخرجات «كوب27» أكدت النقاط التي سبق الاتفاق بشأنها، لا سيما في ما يتعلق بتسريع الجهود المرتبطة بالخفض التدريجي لاستخدام الفحم، وتسريع الانتقال للطاقة النظيفة والمتجددة، وخفض سريع وفوري وعميق للانبعاثات العالمية من غازات الدفيئة «المسؤولة عن الاحترار المناخي (التأكيد على هدف حصر الاحترار بـ 1,5 درجة مئوية)، فيما لا تسمح الالتزامات الحالية للدول المختلفة بتاتاً بتحقيق هدف حصر الاحترار بهذه الدرجة.
شهد (كوب 27) خلافات واسعة بين أكثر من مائتي دولة ومنظمة، حول عديد من الملفات الأخرى، من بينها ملف التخلص من الوقود الأحفوري، لجهة دفع البلدان الغنية إلى هذا المسار في مقابل رغبات مناوئة من قبل اقتصادات نامية، من بينها الصين والهند، فيما سبق أن أبدت دول- من بينها الهند- الرغبة في توسعة هذا الهدف (الخفض التدريجي) ليشمل النفط والغاز.
ودعا الإعلان الختامي إلى تسريع الجهود نحو خفض تدريجي لاستخدام الفحم غير المترافق بنظام التقاط الكربون وإلغاء الدعم غير المجدي للوقود الأحفوري، فضلاً عن تسريع الانتقال النظيف والعادل إلى الطاقة المتجددة.
وفي هذا السياق، يحلل استشاري البيئة والتغير المناخية بالقاهرة، د.سيد صبري، لدى حديثه مع «البيان»، أبرز المخرجات في هذا السياق، موضحاً أنه في ما يتصل بمسألة خفض الانبعاثات هناك التزام كامل من جميع الدول بالتأكيد على أهميتها، لكن الاختلاف الذي عكسته ردود الأفعال ومواقف المختلفة كان على معدلات تسريع (الخفض أو التخلي)، فعندما جرى الحديث عن أهمية التقليل التدريجي لاستخدام الفحم وجد ذلك الملف معارضة من قبل بعض الدول، لا سيما في ضوء أزمة الطاقة الحالية، فضلاً عن دول منتجة للفحم، ويعد من مصادر تمويلها الرئيسية، ومن بينها دول أفريقية.
ويتابع: «كان هناك عدم اتفاق كامل على هذا الملف، واستمرت المفاوضات»، مشيراً إلى أن الجانب المصري بالتنسيق مع الأطراف المعنية سيواصل العمل في المفاوضات القادمة، لتقليص الفجوة بين الدول الصناعية والدول النامية فيما يتصل بهذا الملف، ويقول: إن الدول الصناعية تطالب الصين والهند بالتقليل التدريجي (الخفض)، لكنهما يتمسكان باعتبارهما من الدول النامية، وتحتاج إلى فترة أطول للخفض، وأنها ليست متسببة تاريخياً في الانبعاثات، مقارنة بالدول الكبرى.
وبعيداً عن تلك الخلاقات الجوهرية والملفات العالقة، يؤكد رئيس وحدة التغيرات المناخية السابق بوزارة البيئة المصرية أن أهم مخرجات قمة المناخ هو ما يخص صندوق الخسائر والأضرار، وهو ما يهم الدول النامية تحديداً بعد مفاوضات شاقة، شهدت معارضة من قبل الاتحاد الأوروبي، قبل أن يتم الاتفاق على مبدأ تأسيس الصندوق، وسيتم حسم كيفية تحديد الأضرار والخسائر والتعويضات في المفاوضات القادمة، معتبراً أن هذا الاتفاق يعد إنجازاً جيداً سجلته القمة.
وعبّرت كلمة رئيس المؤتمر وزير خارجية مصر سامح شكري، الختامية، عن حجم الصعوبات والتحديات، التي قابلت المفاوضات حتى تم التوصل إلى تسويات بشأن عدد من القضايا الأساسية للخروج بالبيان الختامي، وذلك حينما أكد أن «الأمر لم يكن سهلاً.. لقد نفذنا مهمتنا في نهاية المطاف».
من جهته، يتحدث أستاذ النانو تكنولوجي ورئيس قسم التكنولوجية الحيوية البيئية بالقاهرة، الخبير البيئي تحسين شعلة، في تصريحات خاصة لـ«البيان» حول الجهود التي بذلتها الرئاسة المصرية للمؤتمر، مشيراً إلى أن مصر نجحت بامتياز في تجميع جميع دول العالم، لتنفيذ ما تعهدت به مسبقاً في قمم المناخ السابقة، وقد أعلنت مصر قبيل انعقاد المؤتمر عن أن القمة الحالية هي قمة «تنفيذ التعهدات».
ويلفت إلى أن «كوب 27» شكلت حلقات تحول انتقالية من التعهدات إلى التنفيذ، مشيراً إلى أن مخرجات المؤتمر وبالأخص خلال اليومين الأخيرين أكدت حرص جميع الدول على تنفيذ ما تعهدت به في وقت سابق (لكن من خلال وجهات نظر مختلفة)، فيما جاء الاتفاق على مبدأ تأسيس صندوق لتعويض الدول النامية والمتضررة من تداعيات التغير المناخي من بين أهم النتائج الدالة على نجاح المؤتمر في الخروج بخطوة مهمة، وبما يتماشى ورؤية الدولة المصرية قبل انعقاد «كوب 27».
ويشير الخبير البيئي إلى أن من بين النتائج المُهمة هو التأكيد على موضع القاهرة دولة رائدة في جهود التصدي لأزمة المناخ، ومعبرة عن آمال وتطلعات دول القارة وحقوقها في هذا السياق، وهو ما يصب في صالح مردودات إيجابية على الدول العربية والأفريقية، مشدداً على أن ما خلص إليه المؤتمر من نتائج سيكون دعماً قوياً للقمة المقبلة (كوب 28) في دولة الإمارات لاستمرار التنفيذ، لا سيما فيما يتصل بصندوق الخسائر والأضرار، بعد الاتفاق على المبدأ، والتأكيد على أحقية الدول النامية في الحصول على تلك التعويضات.