|  آخر تحديث نوفمبر 2, 2022 , 2:39 ص

مهسا أميني.. رمز الثورة في إيران


مهسا أميني.. رمز الثورة في إيران



الفتاة ” مهسا أميني ” التي لقيت حتفها بعد احتجازها من قبل شرطة الأخلاق في العاصمة طهران بسبب عدم تغطية رأسها بالحجاب بشكل كامل.
وتُوفيت الفتاة الإيرانية الكردية، التي تبلغ 22 عاماً ، في 16 سبتمبر/ أيلول الماضي بعد ثلاثة أيام من احتجازها، وتقول السلطات الإيرانية إن مهسا توفيت فجأة بسبب مشاكل صحية وبثت فيديو يظهرها وهي تسقط فجأة في مركز الشرطة، وأعلنت السلطات إن تحقيقاً خلص إلى أن أميني توفيت من مرض عضال وليس جراء تلقيها ” ضربات ” في الرأس، غير أن عائلتها تقول إن ابنتها لم تكن تعاني من مشاكل صحية.
” رأيت صوراً كثيرة لجدتي قبل الثورة( الإسلامية عام 1979 ) ، كانت ترتدي حجاباً إسلامياً ، أما أمي فكانت تلبس تنورة قصيرة ، وكانت جنباً إلى جنب في وئام ” .
هذه بعض ذكريات( رنا رحيمبور ) وهي مقدمة أخبار إيرانية- بريطانية تعمل في خدمة بي بي سي الفارسية، وهذه الذكريات لا تخص عائلتها فقط .
ففي إيران في فترة ما قبل الثورة الإسلامية، أي قبل عام 1979 ، لم تكن هناك قواعد لباس صارمة مثل تلك التي تلزم النساء اليوم ، بموجب القانون، بتغطية شعورهن وارتداء ملابس ” إسلامية ” محتشمة، تقول مقدمة الاخبار: ” كانت إيران دولة منفتحة( ليبرالية ) وكان يُسمح للنساء بإرتداء ما يردن.
تأتي شهادتها هذه في الوقت الذي تخرج فيه احتجاجات في عشرات المدن الإيرانية إثر وفاة مهسا أميني، شابة بعمر الثانية والعشرين اعتقلت من قبل ما يُسمى ” شرطة الآداب ” في إيران، وهي جماعة مسؤولة عن تطبيق قواعد اللباس الإسلامي .
– سلالة بهلوي:
قبل ثورة 1979 ، كانت سلالة بهلوي تحكم إيران، وكانت قد وصلت إلى السلطة بعد انقلاب عام 1926 ، توّج زعيمه رضا خان باسم ” رضا شاه بهلوي ” ، ونُصب ابنه ” محمد رضا بهلوي ” ولياً للعهد ليصبح بعد فترة الشاه الأخير .
كانت ملابس النساء بالفعل موضوعاً مطروحاً على جدول أعمال قيادة البلاد في بداية القرن العشرين، والحجاب لم يُلغ رسمياً في إيران حتى عام 1936 في عهد رضا شاه بهلوي مؤسس إيران الحديثة.
قبل ذلك بسنوات، شجع قائد البلاد النساء على عدم ارتداء غطاء الرأس الإسلامي في الأماكن العامة ولا ارتداء الحجاب بدلاً عن الثوب الطويل التقليدي.

– الثورة البيضاء:

عام 1941 وصل الإبن محمد رضا إلى السلطة وبدأ تحديث البلاد خلال فترة حكمه، عُرفت تلك العملية ب ” الثورة البيضاء ” وأعطيت المرأة حق التصويت عام 1963 ، كما بُذلت جهود لتحسين إمكانية الوصول إلى مؤسسات التعليم في المقاطعات النائية، وفي عهد محمد رضا مُرر قانون حماية الأسرة بما فيها الزواج والطلاق، حيث : ” رفع قانون حماية الأسرة السن الأدنى لتزويج الفتيات من 13 إلى 18 عاماً ، كما أعطى المرأة قوة أكبر في موضوع الطلاق ” .
ورغم أن الشاه كان متفرداً بالحكم( أتوقراطي ) إلا أنه كان زعيماً تقدمياً ويحب الثقافة الغربية لذلك أنشأ برنامجاً للعلمنة.

– ” ملك الملوك ” :

بحلول عام 1971 ، لم يكن محمد رضا الذي أعلن نفسه ” شاهنشاه ” أو ” ملك الملوك ” واحداً من أغنى الرجال في العالم فحسب ، بل كان أيضا الزعيم المطلق ، وكان نظامه قمعياً بشكل متزايد ضد معارضيه السياسيين.
” كانت كل الأحزاب السياسية تحت سيطرة الملك حيث كان المجتمع خاضعاً للمراقبة، لم تكن هناك حرية صحافة ، وكان يمكن لأي نوع من النشاط السياسي أن يتسبب لك بالسجن ” .

انتقل السخط الاجتماعي إلى الشوارع وخرجت عام 1978 احتجاجات حاشدة ضد نظام الشاه. حيث كانت الثورة الإسلامية مدعومة من قبل كثير من الإيرانيين وكل الجماعات: الليبرالية والشيوعية والمتدينين ” .
كانت النساء بغض النظر عن الملابس التي كن يرغبن في ارتدائها أو مدى تدينهن جزءاٍ من تلك القوة التي انتهى بها الأمر بإسقاط الشاه عام 1979 .

بدأت محاربة السلطات الإيرانية ” للحجاب السيء ” ، ارتداء الحجاب أو غيره من الملابس الإلزامية بشكل غير صحيح، بعد فترة وجيزة من الثورة الإسلامية عام 1979 وكان هدف حملة السلطة الجديدة جعل النساء يرتدين ملابس محتشمة.
في غصون أشهر من تأسيس الجمهورية الإسلامية، بدأت الحكومة الإسلامية الجديدة بإلغاء قوانين حماية المرأة التي وضعت في عهد الشاه.

في السابع من مارس / آذار 1979 ، أصدر زعيم الثورة إية الله الخميني مرسوماً يقضي بفرض الحجاب على جميع النساء في العمل معتبراً النساء غير المحجبات ” عاريات ” .
وبحلول عام 1981 طُلب من جميع النساء والفتيات ارتداء ملابس ” إسلامية ” محتشمة بموجب القانون عملياً ، كان هذا يعني ارتداء الشادور وهي عباءة تغطي الجسم بالكامل غالباً ما يكون مصحوباً بغطاء رأس ومعطف يغطي الذراعين.
في عام 1983 قرر البرلمان فرض عقوبة الجلد 74 جلدة على من لا تغطي شعرها في الأماكن العامة، وفي الآونة الأخيرة، أضيفت عقوبة السجن التي تصل إلى شهرين.
لكن السلطات كانت تواجه صعوبات في تطبيق هذا القانون منذ ذلك الحين، وكثيراً ما تُرى النساء من جميع الأعمار يقاومن القيود المفروضة عليهن بإرتداء معاطف ضيقة طويلة حتى الركبة وأغطية رأس ملونة يتم دفعها للخلف لكشف الكثير من الشعر.
سعى رئيس بلدية طهران السابق ” محمود أحمدي نجاد ” المتشدد، للظهور أمام الناس بمظهر أكثر تقدمية بشأن هذه القضية أثناء حملته الانتخابية من أجل الرئاسة في عام 2004 ، وقال في مقابلة تلفزيونية: ” الناس لديهم أذواق مختلفة وعلينا أن نخدمهم جميعاً ” ، ولكن بعد فترة وجيزة من فوزه في الانتخابات في العام التالي تم تأسيس شرطة الآداب ” غشتي إرشاد ” بشكل رسمي.

وقع الرئيس إبراهيم رئيسي، وهو رجل دين متشدد على أمر لفرض قائمة جديدة من القيود على النساء. وتضمنت إدخال كاميرات مراقبة وتغريم النساء غير المحجبات أو إحالتهن لمجالس إرشاد والحكم بالسجن على أي إيراني يعبر عن معارضته لقواعد الحجاب على الإنترنت.
أدت القيود إلى زيادة حالات الاعتقال، لكن بنفس الوقت أطلقت شرارة قيام المزيد من النساء بنشر صورهن بدون حجاب على مواقع التواصل الاجتماعي وهو الأمر الذي انتشر وزاد في الأيام التي أعقبت وفاة الشابة أميني.
بدأت النساء في خلع حجابهن والتلويح به في الهواء في جنازة أميني، وفي الأيام التي تلت الجنازه، نزلن إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد وانتشرت مقاطع فيديو تظهر النساء وهن يضرمن النيران في أغطية الرؤوس وسط هتافات تأييد من الرجال.
وقد يذكرنا هذا المشهد بلحظة ” هدم جدار برلين ” ، إنه حقاً يشبه تلك اللحظة.

وأظهرت مقاطع فيديو على الإنترنت أن مئات المتظاهرين خرجوا إلى شوارع مدينة زاهدان جنوب شرقي إيران، وهاجموا البنوك، وردد المتظاهرون ومعظمهم من الشبان هتافات ” الموت للديكتاتور ” في إشارة إلى المرشد الأعلى ” آية الله علي خامنئي ” ، و ” الموت للباسيج ” في إشارة إلى قوات الباسيج التابعة للحرس الثوري الإيراني.

لقد جاءت هذه الاحتجاجات في وقت يشعر به الجيل الشباب بالإحباط بشكل خاص، إن الفساد الممنهج في أوساط النخبة السياسية الإيرانية وتفشي الفقر في البلاد مع ارتفاع التضخم أكثر من 50 في المئة ، والافتقار إلى الحرية الاجتماعية والسياسية، كل هذه الأمور مجتمعة جعلتهم يشعرون باليأس.

هذه أطول حركة احتجاج مستمرة في إيران منذ ثورة 1979 ، تمّ قمع الاحتجاجات السابقة ( المظاهرات ضد تزوير الانتخابات في عام 2009 ، وسوء الإدارة الاقتصادية في عام 2017 ، وارتفاع أسعار الوقود في عام 2019 ) بلا رحمة من قبل قوات الأمن الإيرانية.
كان رد السلطات على هذه الاحتجاجات متوقعاً ، فقد قُتل عشرات الأشخاص واعتقل المئات، وهناك انقطاع متكرر للانترنت لمنع الناس من نشر مقاطع الفيديو والصور على الإنترنت.

 

 

ويُعدّ هذا أخطر تحدّ للجمهورية الإسلامية منذ قيامها ، ولا تزال السلطات تحاول نبذ المحتجين وتشويه سمعتهم واصفة إياهم بأنهم ” مثيرو شغب متأثرون بالأجانب ” .
من الصعب رؤية إيران تعود إلى الأيام التي كان فيها بإستطاعة من يطلق عليهم شرطة الإرشاد فرض ضوابط على لباس النساء بالطريقة التي كانوا يفعلونها منذ عقود .

فالإحتجاجات الآن باتت تتعلق بأمور أكبر بكثير من لبس النساء، وتقول منظمة حقوق الإنسان الإيرانية، التي تتخذ من النرويج مقراً لها ، إن ما لا يقل عن 234 متظاهراً بينهم 29 طفلاً قتلوا على أيدي قوات الأمن في حملات القمع حتى الآن.
وصوّر زعماء إيران الاضطرابات على أنها ” أعمال شغب ” يثيرها أجانب.

تجمّع الآلاف بالقرب من قبر مهسا أميني بمناسبة مرور 40 يوماً على وفاتها، وقالت جماعة حقوقية وشهود إن الضباط أطلقوا الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع على الحشود في المدينة.
وقالت متظاهرة تبلغ من العمر 27 عاماً : ” المجتمع غاضب جدا لقد سئمنا منهم ( القيادة الإيرانية ) ، وأضافت: ” أريد أن أقول ( لا ) لهؤلاء الناس لقد سئمت من كوني مواطنة من الدرجة الثانية، لأنني أمرأة، وسئم الرجال من ترهيب النظام، هذه هي المرة الأولى في تاريخ بلدنا التي نقف فيها معاً من أجل هدف واحد وهو ” المرأة والحياة والحرية ” .
وألقى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي باللائمة فيما تشهده بلاده من اضطرابات على كاهل الولايات المتحدة التي يراها نظام الملالي عدواً لدوداً للثورة الإسلامية منذ عام 1973 وخصماً رئيسياً على صعيد البرنامج النووي الإيراني.
وقد أعلنت طهران أنها ستفرض عقوبات على شخصيات وكيانات أميريكية وكندية لضلوعها في دعم ما سمته الإرهاب والترويج للعنف، بينما اتهمت الاستخبارات الإيرانية الموساد الاسرائيلي بالعمل على نشر الفوضى في البلاد، بدعم من أجهزة استخبارات غربية وإقليمية.
وحذّر قائد الحرس الثوري الإيراني( حسين سلامي ) المتظاهرين من أن يوم السبت 29/10/2022 سيكون هو آخر أيام الشغب “.
وختاماً …
لقد تحولت الاحتجاجات إلى ثورة شعبية شارك بها إيرانيون غاضبون من جميع طبقات المجتمع، مما شكل أحد أكثر التحديات جرأة للزعماء من رجال الدين منذ ثورة 1979.
وعلى الرغم من حجب السلطات الإيرانية تطبيقات التواصل الاجتماعي الأهم مثل الانستغرام و واتساب، استطاع ناشطون من خلال دعوة عبر الإنترنت تنظيم مظاهرات جديدة السبت ضد النظام السياسي تحت شعار ” بداية النهاية ” !!!! .

 

 

 

بقلم: فاتن الحوسني
ماجستير في العلاقات الدولية
باحثة وكاتبة في الشؤون الدولية

 

 


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com