توقفت حوالي 40 يوماً عن الكتابة، نظرت خلالها إلى العالم من زاوية جديدة، وكأنني أجلس في مدرجات الدرجة الثالثة بملعب مكتظ بالمشجعين، الرؤية من هناك تختلف عن الرؤية من الصفوف الأمامية، حيث إن كثيراً من التفاصيل لا نشاهدها، نرى بعضاً مما يدور حولنا وتختفي أغلب الأحداث، فشكرت الظروف التي أجبرتني على الابتعاد والتحوّل إلى مجرد متفرّج، وأخذتني إلى منطقة قريبة من أهم وأخطر المناطق الذاهبة بمحض إرادتها وضغوط الأقوياء إلى المجهول، فهذه أوروبا التي أتحدث عنها، أوروبا الجميلة، النظيفة، التي كنّا نخرج من زيارتها بدروس ومواعظ ونظرة متفائلة بالمستقبل، وأقول كنّا، لأن الصورة تغيّرت ملامحها، اختلط الأبيض بالأسود، وساد اللّون الرمادي تعابير وجهها وتوقعات ناسها.
أوروبا ليست أوروبا، عصر الرفاهية الممتد مئات السنين بدأ مرحلة العدّ التنازلي نحو الانحدار، كل يوم يخطو خطوة إلى الأسفل، ولا ندري إلى أين ستصل بهم، إلى الصفر والانهيار؟ أو ستأخذهم من جديد إلى حروب يأكل قويهم ضعيفهم كما كانوا قبل ثمانية عقود؟، الله أعلم، ولكن الوقائع لا تبشّر بالخير، فهذه القارة المشعة دوماً صدقت مقولات الآخرين بأنها «القارة العجوز»، فأدخلت نفسها في عصر جديد لا يليق بها، هو «عصر الوهن»، قبلت أن تكون ضعيفة بعد أن تخلّت عن الإرادة التي عُرِفَتْ بها، وأصبحت «تابعة» تتلقى الأوامر، وتسمع التوجيهات، وتنفّذ دون تدبّر أو مراجعة، أخذها تيار جارف، بعد أن فقدت مقوّمات القيادة، ووضعت حاضرها ومستقبلها في يد أحزاب هزيلة، ونصّبت قادة لا يتمتّعون بشروط ومعايير القادة.
أوروبا قبلت أن تذهب وهي في كامل قواها العقلية إلى المجهول، وسيكون الآتي بالنسبة لها أشدّ قسوة من الذي تمرّ به الآن، فهي لم تر غير المقدمة بعد الخوض في صراع لا ناقة لها فيه ولا جمل، وكان الثمن كبيراً وقاسياً عليها وعلى شعوبها.
… وللحديث بقية.
بقلم: محمد يوسف