|  آخر تحديث يونيو 18, 2022 , 2:17 ص

هنري كيسنجر.. صانع السياسات الخارجية الأمريكية


هنري كيسنجر.. صانع السياسات الخارجية الأمريكية



هنري كيسنجر، ” الثعلب العجوز ” الذي بلغ التاسعة والتسعين من عمره ، وُلد بإسم هينز ألفريد كيسنجر( 27 مايو 1923 ) ، هو سياسي أمريكي ودبلوماسي وخبير جيوسياسي، شغل منصب وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ومستشار الأمن القومي الأمريكي في ظل حكومة الرؤساء( ريتشارد نيكسون ) و ( جيرالدفورد ) ، هو لاجيء يهودي هرب مع عائلته من ألمانيا النازية عام 1938 ، فرّ من النظام النازي ليصبح سياسياً أمريكياً فذاً ومثيراً للجدل. ذاع صيته للمرة الأولى عندما أصبح بروفيسوراً في جامعة هارفارد ، ثم مستشاراً للرئيس كنيدي ثم لاحقا نيكسون . عمل عمل مستشارا أمنياً ( 1969 – 1975 ) ووزيراً للخارجية الأمريكية( 1973 – 1979 ) في عهد ريتشارد نيكسون ثم جيرالدفورد، ارتقى هنري كيسنجر من لاجيء يهودي هارب من الحكم النازي إلى بروفيسور في جامعة هارفارد وأصبح الدبلوماسي الأشهر والأكثر إثارة للجدل منذ الحرب العالمية الثانية.

 

غيّر كيسنجر شكل السلطة في البيت الأبيض، وقلل من أهمية وزير الخارجية( وليام روجرز ) والاستخبارات الخارجية، بفضل مفاوضاته السرية الشخصية في فيتنام الشمالية والإتحاد السوفييتي والصين ، فاوض لإنهاء التدخل الأمريكي المباشر في حرب فيتنام بواسطة الاتفاقية الفرنسية عام 1973 ، وأسس حقبة قصيرة الأمد من السلام مع الإتحاد السوفييتي، وشق سُبل الوفاق والتعاون مع الصين ، وتنقل بين عواصم إسرائيل ومصر وسوريا بعد حرب الشرق الأوسط عام 1973 .

 

كان رجلاً اجتماعياً لكنه مراوغ، سعى هنري كيسنجر الى القوة والشهرة الإعلامية وتقرب من كبار المسؤولين والصحفيين المؤثرين، حقق فترة من الزمن شعبية لم يحققها أحد من الدبلوماسيين اللاحقين، صُنف الرجل الأكثر شعبية في أمريكا حسب استفتاء غالوب عامي 1972 و 1973 . حصل هنري كيسنجر على جائزة نوبل للسلام عام 1973 بفضل مفاوضاته التي أدت إلى اتفاقية باريس للسلام، التي أنهت العمليات العسكرية في فيتنام ، أطلق الصحفيون عليه لقب ” العبقري ” و ” الأذكى ” في الساحة بعد رحلته السرية إلى بكين في يوليو 1971 ، التي مهدت الطريق لزيارة الرئيس نيكسون إلى الصين في فبراير 1972 ، سماه السياسيون المصريون ” الساحر ” لدوره في اتفاقيات فض الاشتباك التي أدت إلى إنهاء الحرب في الشرق الأوسط عام 1973 . تلوثت سمعة كيسنجر عام 1973 بسبب فضيحة ووترغيت، أذ اكتشف محققو الكونغرس تورطه في إصدار الأوامر لعناصر مكتب التحقيق الفيدرالي بالتنصت على هواتف المرؤوسين من موظفي جهاز الأمن القومي ، وهي تهمة أنكرها سابقا، توصل الكونغرس أيضا إلى ضلوع كيسنجر في محاولة منع وصول رئيس تشيلي سلفادور أليندي إلى السلطة عام 1970 وعمله على زعزعة استقرار حكومة أليندي الاشتراكية لاحقا.

 

كتب كيسنجر في ” واشنطن بوست ” في 5 مارس ( آذار ) 2014 ، أي بعد حوالي أسبوعين من ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، مقالا استعرض فيه طبيعة الصراع في البلد الذي يمر هذه الأيام بحرب مع روسيا للدفاع عن سيادته على أراضيه، وأعادت بعض وسائل الإعلام نشر هذا المقال الذي بدا يستشرف الأزمة الحالية من خلال أحدث سابقة وقال كيسنجر، ” إن المناقشة العامة حول الأزمة التي اندلعت وقتذاك كانت تدور حول المواجهة، لكن هل نعرف إلى أين نتجه؟ ” .
وذكر كيسنجر بأنه شهد في حياته المديدة أربع حروب اندلعت بكثير من الحماسة والدعم العام ، لكننا لم نعرف في الحالات الأربع كيف ننهيها، وفي ثلاث منها ، انسحبنا منها من طرف واحد ، مشددا على أن ” محك السياسية هو كيف تنتهي، لا كيف تبدأ ” ، وخلص إلى أن سعي أحد الطرفين، الروسي أو الغربي إلى الهيمنة على الآخر سينتهي آخر المطاف إلى حرب أهلية أو تفكك.
وأردف يقول :” على الغرب أن يفهم أن أوكرانيا في نظر روسيا لا يمكن أن تكون مجرد بلد أجنبي ، فتاريخ روسيا بدأ في مكان ما يُسمى روس الكييفية والديانة الروسية انتشرت من هناك وكانت أوكرانيا جزءا من روسيا لقرون ، وكان تاريخهما متداخلين قبل ذلك ، وخيضت بعض المعارك الأهم من أجل حرية روسية، بدءاً بمعركة( بولتافا ) عام 1709 ، على التراب الأوكراني ، ويقبع أسطول البحر الأسود الروسي ( وسيلة روسيا لتوسيع السلطة في البحر المتوسط ) في سيفاستوبول بالقرم ، في مقابل إيجار بعيد الأجل ، بل إن منشقين شهيرين مثل ألكسندر سولجنستين و جوزيف برودسكي أصرا على أن أوكرانيا جزء لا يتجزء من التاريخ الروسي وفي الواقع من روسيا نفسها .

 

– كيسنجر: كيف يمكن أن ننهي الحرب بين روسيا وأوكرانيا؟ :
أثار هنري كيسنجر تفاعلاً واسعاً خلال الأيام الماضية عقب تصريحات أدلى بها ، واقترح فيها أن تهدف مفاوضات السلام بين أوكرانيا وروسيا إلى إنشاء حدود في دونباس كما كانت موجودة عشية الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في فبراير/ شباط . وقال كيسنجر: ” يجب أن تبدأ المفاوضات في الشهرين المقبلين قبل أن تبدأ اضطرابات وتوترات لن يتم التغلب عليها بسهولة ” وأضاف : من الناحية المثالية يجب أن يكون الخط الفاصل هو العودة إلى الوضع السابق ، مما يشير على ما يبدو إلى أن أوكرانيا توافق على التخلي عن جزء كبير من دونباس وشبه جزيرة القرم.
ورد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في رسالة فيديو ، قائلا : ” بصرف النظر عما تفعله الدولة الروسية، هناك من يقول : لنأخذ مصالحها في الاعتبار، هذا العام في دافوس ، سمع مرة أخرى ، على الرغم من سقوط آلاف الصواريخ الروسية على أوكرانيا وعلى الرغم من عشرات الآلاف من الأوكرانيين الذين يقتلون، على الرغم مما حدث في بوتشا وماريوبول وغيرهما من المدن المدمرة، ومعسكرات التصفية التي أقامتها روسيا والتي يقتلون فيها ويعذبون ” . وأضاف ” لقد فعلت روسيا هذا في أوروبا، لكن مع ذلك ، في دافوس ، على سبيل المثال، يخرج كيسنجر من الماضي العميق ويقول إن قطعة من أوكرانيا يجب أن تُمنح لروسيا ” .
وفي كلمته في منتدى دافوس لفت كيسنجر الى ” مكانة روسيا في ميزان القوى الأوروبي ” ، مشيراً إلى أن موسكو كانت جزءاً أساسياً من أوروبا على مدى 400 عام ، وكانت الضامن لتوازن القوة في أوروبا في الأوقات الحرجة، معتبراً أنه لابد لأوكرانيا من أن تتخلى عن بعض الأراضي لروسيا ” .
وأضاف الدبلوماسي الأمريكي أنه ” لا يجب أن تغيب تلك العلاقة الطويلة الأمد عن أذهان القادة الأوروبيين، كما لا يجب أن يجازفوا بدفع روسيا إلى الدخول في تحالف دائم مع الصين ” .
وحذّر من إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، مشددا على ضرورة دفع كييف إلى العودة إلى التفاوض مؤكداً أن ” الوضع الملائم هو الحياد وأن تكون جسراً بين روسيا وأوروبا ” .
وقال الرئيس الأوكراني: ” يبدو أن تقويم السيد كيسنجر ليس عام 2022 بل عام 1938 ، وأعتقد أنه كان يتحدث إلى جمهور ليس في دافوس ولكن في ميونيخ آنذاك ” ، وأضاف : ” بالمناسبة في عام 1938 كانت عائلة السيد كيسنجر تفر من ألمانيا النازية وكان عمره 15 سنة ” .
وتابع أن ” أولئك الذين ينصحون أوكرانيا بتقديم شيء ما لروسيا السياسيون الجغرافيون العظماء، لا يريدون دائما رؤية الناس العاديين ” وذكر : ” الأوكرانيون العاديون الملايين من أولئك الذين يعيشون بالفعل في الإقليم الذي يقترحون استبداله بالوهم السلام ، عليك دائما أن ترى الناس ” .
ختاماً ،،،،
عمّر كيسنجر وبقى وجهاٍ مألوفاً أمام الأجيال ليشهد آثار السياسات التي أسهم في صياغتها وإرسائها تلقي بظلالها ليس على العالم فقط ، بل على شخصيته التي تعرضت للإساءات، وصورته التي أقحمت في قلب نظريات المؤامرة المزعومة ، فسماه البعض ” دكتور الشر ” ، ورآه آخرون ” مجرم حرب ” ، ولم يكن يقابل الدبلوماسي المخضرم تلك الإهانات الا بالاستمرار في طرح أفكاره، كما فعل في محاضرة أقامتها جامعة هارفارد عام 2012 ، حين قاطعه أحد الحضور بالشتائم واصفاً إياه ب ” مجرم حرب ” و ” قاتل ” .
قبل أربعة عقود ونصف العقد ، غادر هنري كيسنجر منصبه كوزير للخارجية الأمريكية، لكنه مازال حاضرا في عناوين الصحافة ، ورقماً ثابتاً وصعباً في ذاكرة عالم السياسية، حيث يرى المؤرخ الأسكتلندي( نيال فيرغسون ) ، أن كيسنجر رغم بلوغه من العمر عتيا لم يفقد قدرته ” الخارقة ” على التفكير الاستراتيجي والسعي إلى إيجاد الحلول للقضايا المستعصية، وهي القوة الفكرية التي ميزته عن غيره من أساتذة السياسية الخارجية والممارسين من أبناء جيله والأجيال اللاحقة.

 

 

 

 

بقلم: فاتن الحوسني 


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com