الطائرات المسيّرة أو ما يُعرف ب ” الدرونز ” ، أعادت تشكيل ميادين القتال بنقلها من الميدان المباشر الذي يستلزم حضور الجنود والعتاد العسكري والاشتباك، إلى الميدان غير المباشر أو ما يمكن تسميته ب ” الرؤية الفوقية ” ، ولأهمية دقتها في الوصول لهدفها، وقلة تكلفتها مقارنة بالمعارك المباشرة، إضافة لسهولة استخدامها حيث تدار عبر مسافات عابرة للقارات في غرف قيادة بعيدة عن أماكن الاستهداف أو الحروب ، وقد ظهرت الحروب الجديدة بشكلها الدرونزي في الحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق ، وأصبحت هذه الدرونز هي أداة الاغتيال المفضلة للإدارة الأمريكية، وبالأخص في عهد الرئيس باراك أوباما، منذ اليوم الأول لتوليه منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية.
وقد أضحى هذا السلاح العنوان الأبرز في أجندة ( الحرب العالمية على الإرهاب ) ، التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد 11 سبتمبر، حتى صارت جزء لا يتجزء من الإتجاه العسكري الأوسع نطاقاً . وبإمكان هذه الطائرات بدون طيار، حمل متفجرات وصواريخ ذكية وحتى مواد كيماوية، الأمر الذي يجعلها تشكل تهديداً خطراً للمدنيين، لا سيما إن وقعت في أيدي ميليشيات مسلحة مثل الحوثيين، وعلى الرغم أن الدرونز مصممة في الأساس لتنفيذ أغراض مدنية، من بينها التصوير ، فإن دولاً مثل إيران لا تتورع عن تطوير هذا النوع من الطائرات كي يُستخدم في المعارك ومنحه للارهابيين في اليمن .
فقد تحول المتمردون الحوثيون من مقاتلين في الجبال الى عنصر تهديد إقليمي بفضل طائراتهم المسيرة التي باتت أكثر قدرة على استهداف المدن البعيدة وضرب المنشآت النفطية المحصنة ، قدرت جماعة الحوثي موقفها البائس فاختارت أن تكون أكثر بؤساً من السابق باستهداف دولة الامارات العربية المتحدة في 17 يناير الجاري ، بعملية إرهابية يمكن أن تكون هي العملية الأكثر فشلاً من ناحية التقديرات السياسية، فالامارتيين سيحولون من هذه العملية ورقة رابحة تضاف لأوراقهم فهم المتمرسين في السياسية والقادرين على توظيفها لصالحهم، وهو ما يُقرأ في تتابع ردات الإدانة الدولية للعملية الحوثية الإرهابية، فقد تطور المشهد اليمني جراء هذا الاعتداء، ودفع الى إعادة قراءة الصراع في اليمن لدى العواصم الدولية بما يتجاوز معاييره المحلية والاقليمية، وما صدر من مواقف داعمة للإمارات ومن إدانة لما تقترفه جماعة الحوثي ، يكشف تصاعد التبرم الدولي من الحالة الحوثية العبثية التي تهدد دولاً هي جزء أساسي من النظام الدولي، وعلى الرغم من أن تعقّد الصراع في اليمن مرتبطاً أيضا بتعقد الحالة الإيرانية وشبكاتها في المنطقة، إلا أن ضبط النفس الدولي الذي تفرضه المفاوضات الجارية هذه الأيام في فيينا لم يمنع عواصم القرار لا سيما تلك الموقعّة على الإتفاق النووي والساعية حاليا الى إنتاج إتفاق محدث من التنبه الى ضرورة التحرك العاجل لمنع طهران من ابتزاز المجتمع الدولي من خلال ذراعها العاملة في اليمن .
إن إعادة تصنيف الحوثي كمنظمة إرهابية ، يعني فورا حظر دخول أعضاء هذه المنظمة الإرهابية ومن يرتبطون بها الى الأراضي الأمريكية، وإمكانية ترحيل من يعملون لصالحها من المهاجرين من الأراضي الأمريكية، وتجريم تمويل أي مؤسسة أو شركة أمريكية أو أفراد أمريكيين لأي أنشطة متعلقة بهذه المنظمة وتجريم أي معاملات مالية قد تجريها البنوك الأمريكية معها ، وتجميد أي أرصدة سائلة أو ممتلكات وأصول ثابتة لها في الولايات المتحدة إن وجدت ، واقليميا من شأن هذه الخطوة أن تحجم من خطر إيران ومشروعها بتحجيم أهم ميليشياتها.
وقد أظهرت المواقف الدولية المنددة لهجمات الحوثي الإرهابية الأخيرة ، على منشآت مدنية الحاجة لتحرك دولي حازم لهزيمة المشروع الإيراني، ويكمن التهديد الرئيسي في امتلاك ميليشيات إرهابية منفلتة كجماعة الحوثي، أسلحة بعيدة المدى ومخزونها من الطائرات المسيرة بمختلف استخداماتها.
وأثبتت التقارير الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والأجهزة الأمنية العالمية أن إيران توفر مختلف أشكال الدعم العسكري والمالي للميليشيات الحوثية في اليمن وتستخدمها كذراع لها وورقة ابتزاز في المنطقة ، حيث توفر إيران دعماً عسكرياً مفتوحاً لميليشيات الحوثي الإرهابية وتمدها بشكل متواصل بالصواريخ والطائرات المسيرة، وبما أن خطر ميليشيات الحوثي وما تملكه من سلاح وقدرات إرهابية يتجاوز اليمن ليصل الى تهديد المصالح الدولية دول الجوار، فإن مواجهة هذه الجماعة لم تعد تقتصر على دول التحالف العربي، إذ يتطلب الأمر تحالفاً دولياً لتأمين المنطقة، إذ تفرض التطورات الميدانية والتصعيد العسكري للميليشيات الحوثية الانقلابية وتنفيذها هجمات إرهابية ضد دول الجوار، وتفخيخ خطوط الملاحة الدولية واختطاف السفن واستهدافها بالصواريخ واستخدام الطائرات المسيّرة لاستهداف مناطق مدنية على المجتمع الدولي التحرك بجدية بجانب التحالف العربي لتحييد هذه التهديدات وهزيمة المشروع الحوثي، إذ أن المليشيات الحوثية تستخدم الامكانيات العسكرية التي تحصل عليها من إيران، لتثبيت مشروعها الدموي ومحاولة ابتزاز دول التحالف العربي لثنيها عن دعم اليمنيين في استعادة دولتهم وعاصمتهم التي تسيطر عليها الميليشيات منذ أواخر سبتمبر/ أيلول 2014 .
وقد تعهدت الولايات المتحدة ب ” محاسبة ” المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، بعد استهدافهم بطائرات مسيرة منشآت مدنية في الامارات .
وكان أعضاء مجلس الأمن الدولي قد أدان ” بأشد العبارات ” بالاعتداءات الإرهابية الشائنة التي شنها المتمردون الحوثيون في اليمن على منشآت في الامارات وذلك في بيان صدر بالإجماع وفق ما أفاد دبلوماسيون.
وقدم السيناتور الجمهوري ” تيد كروز ” مشروع قانون في مجلس الشيوخ الأمريكي، يطالب بفرض عقوبات على ميليشيات الحوثي ومسؤوليها وعملائها أو المنتسبين إليها، بسبب أعمال الإرهاب الدولي ، ومشروع قانون كروز من شأنه إعادة إدراج مليشيا الحوثي على لائحة المنظمات الإرهابية بعد الهجوم الأخير على العاصمة الإماراتية أبوظبي .
ويسعى كروز الى تمرير القانون الخاص بالعقوبات الى الرئيس جو بايدن، لوضع الحوثي وجميع الهيئات التابعة له على لائحة المنظمات الإرهابية في غضون 30 يوماً .
إن الاعتداءات الإرهابية التي قامت بها الميليشيات الحوثية على المنشآت المدنية بدولة الامارات، لما تمثله من مخالفة جسيمة لميثاق الأمم المتحدة الذي يهدف لتعزيز الأمن والسلم الدولي ، ولكونها إعتداءات إرهابية على المدنيين والمنشآت المدنية تعتبر انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وهو ما يتطلب من المجتمع الدولي ممثلاً في مجلس الأمن الدولي والمجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إتخاذ أشد الإجراءات وتفعيل قراراتها الدولية المبنية على البند السابع من أجندة مجلس الأمن الدولي والبند الرابع من أجندة مجلس حقوق الإنسان، لا سيما الاعتداء قد تسبب في قتل وإصابة العديد من الأبرياء المدنيين، إضافة إلى استهداف ميليشيات الحوثي الإرهابية بهذه الاعتداءات المجرمة لمناطق ومنشآت مدنية وسكنية تضمن التشريعات الدولية لها تأمين الحماية والحصانة الدولية .
لذا يتوجب على المجتمع الدولي محاسبة القيادات الحوثية الإرهابية عن هذه الجرائم التي تتنافى مع جميع القيم والمباديء الإنسانية السامية، وإتخاذ موقف دولي حازم وصارم تجاه هذه الميليشيات الإرهابية التي تعمل على تهديد الأمن والسلام بالمنطقة والعالم، مع ضمان تقديمهم للمحاكمة الدولية العادلة أمام المحاكم الجنائية لمحاسبتهم عن جرائمهم التي استهدفت المدنيين داخل اليمن وبالعديد من الدول المجاوره، وهنا تقع المسؤولية على المجتمع الدولي لتحقيق العدالة للضحايا وإنصافهم وضمان تصنيفهم كجماعة إرهابية والتعاطي مع الميليشيات الحوثية وفق هذا التصنيف.
بقلم: فاتن الحوسني