هل أخذنا فخرنا بالنجاح في استخدام التكنولوجيا و أدواتها بأن نقرّر عاما دراسيا جديدا من التعلّم عن بعد، على الرغم من تقلص حالات الاصابة بكوفيد 19 و توفّر اللقاحات لجميع المواطنين؟
و كأنّ المدارس وحدها هي الأماكن الأكثر استقطابا للإصابة؟؟ في حين أن الحياة في مختلف القطاعات بدأت تعود تدريجيا الى طبيعتها في ظل تعايش و تأقلم لا بد منه مع فيروس أصبح من يوميات البشرية جمعاء؟
نعم, نحن نجحنا في استخدام ” الزوم” و ” مايكروسفت تيمز ” و غيرها من التطبيقات المستحدثة لتدارك خسارة عاما دراسيا كاملا لطلابنا في المدارس و الجامعات. و لكن؟؟
كانت حصص دراسية جافة غاب عنها التواصل والتعبير الجسدي و الحضور الانساني الذي يعكس نجاح العملية التعلميّة التي تعتمد على شخصية المتعلّم بزواياها كلّها و ليس بجزء منها. من خلف الشاشات، اكتسب المتعلمون مخزونا لا بأس به من المعلومات التي لم تستطع التحوّل في ظلّ قيود الالة المتحكمة و المبرمجة الى مهارات حقيقية فعلية، ففقدت بالتالي العملية التعليمية جوهرها في بناء الانسان و ليس في نقل المعلومات و تخزينها فقط.
سجناء التكنولوجيا، هم متعلمو العام الدراسي المنصرم في كل العالم، فكيف نحن اليوم نتجرأ في تمديد فترة السجن لعقول بريئة فرضت عليها الاقامة الجبرية من أجل الحفاظ على السلامة العامة ؟ كيف لنا أن نقارن نجاحنا باستخدام التكنولوجيا بمستقبل الأجيال القادمة ؟ فكر أناني لا ير أبعد من انجازاته الانيّة دون النظر الى مستقبل أوطان كاملة من الممكن أن تعاني من تلف اجتماعي و صعوبات في التواصل و العيش اذا ما قررنا التمسّك بأجهزة جامدة لا روح فيها ولا حياة: معادن و زجاج و أسلاك و لوحة مفاتيح وبرمجة من صنع الانسان لا أكثر. هل هذا حقا ما نريده من أطفال اليوم و شباب المستقبل و بناة الأوطان؟ هل حقا أننا نبحث عن روبوتات بقلوب نابضة و صدور تتنفّس؟
في الكتاب علم، في لوح الطباشير مشاركة، في الملاعب تواصل، في المختبرات تجارب حياة، في الأحاديث تواصل، في الحوادث مخاطرة، في الصف التزام، في الزي المدرسي هيبة و احترام، في الأروقة حب بريء، في المكتبة ثقافة و في الزوايا حكايا أطفال خالدة ترسم دروب المستقبل. فهل علينا أن نحرم أطفالنا روح الحياة الدراسية و العملية التعليميّة و نحن في مجتمعات عربية نسعى جاهدين منذ سنين لبناء ملامح جديدة للمتعلّم تجعله ” متعلّما مدى الحياة ” ؟ و هل سنعيد ذاك المتعلّم الى جموده و سلبيته بعدما بدأنا نستشعر ظهور أجيال تتقن فن التعلّم و تجسّد ملامح المتعلّم الجديد؟
بقلم: د. مصطفى حسين كامل
أستاذ بعلوم القاهرة وزير البيئة المصري الأسبق