في العام 2015 أطلقت الأمم المتحدة مجموعة من 17 هدف من أجل تحقيق التنمية المستدامة و النهوض بالمجتمعات على أن يتم أنجاز هذه الأهداف مع حلول العام 2030. تمحورت الأهداف الأممية حول قضايا الجوع و الفقر و الصحة و التعليم و العدالة الاجتماعية و غيرها من المبادئ الأساسية لحفظ الكيان البشري و الكرامة الأنسانية.
أن تحقيق هذه الأهداف يطال الدول النامية بشكل أساسي حيث الحاجة الملّحة لتعزيز هذه المبادئ الانسانية. لا يعني الأمر عدم حاجة الدول المتطورة الى تحقيق التنمية المستدامة أنمّا رؤية و تطبيق هذه الأهداف ال 17 فيها يواجه تحديات أقل و يلقى تجاوبا مجتمعيا و حكوميا أكثر فعالية.
في الدول النامية, الوضع مختلف تماما حيث التحديات كبيرة و الأمكانيات محدودة. فكيف هو السبيل لتحقيق العدالة الاجتماعية و محاربة الجوع و الفقر و المطالبة بالتعليم للجميع في دول بالكاد تأمّن حياة مواطنيها و تستضيف 84% من اللاجئين, ما يعني فقر و جوع و أطفال خارج المدارس و طبعا معاييرصحية غير متوفرة.
فماذا حققت الامم المتحدة حتى اليوم من جملة مشروعها الذي انطلق منذ ست سنوات في المجتمعات النامية؟ و ضمن أية خطة ستكمل هذا المشروع خلال السنوات التسع المتبقية. خمسة عشرة عاما على حد تقدير المنظمة الدولية جديرة بفرض قواعد أنسانية معيشية جديدة. كيف ذلك, و قد اجتاحت الجائحة الفتاكة العالم في العام 2019 ليزداد الوضع سوءا و تعقيدا تاركة أثارا سلبية جسيمة على كافة الصعد. تدهور اقتصادي عالمي, أنظمة تعليمية تتخبّط بين الأجهزة الالكترونية و البرامج التربوية المستحدثة و في الصحة حدّث و لا حرج. حصدت الجائحة الملايين من الأرواح البريئة و تركت الألاف من المرضى و المصابين و فرضت شروط صحية وقائية لم تستطع مجتمعات الدول النامية مجاراتها و الالتزام بها بشكل كامل بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة و قلة الوعي المستشري خاصة في البيئات المكتظّة.
من أكثر السيناريوهات الدرامية هو المشهد السوري المتأزم في لبنان، الذي في الأصل دخل مرحلة الموت السريري سياسيا و اجتماعيا و اقتصاديا. فكيف ستتعاطى الأمم المتحدة بأهدافها التنموية مع وضع سوري مذر داخل المخيمات المنتشرة في عدة مناطق لبنانية.
تسع من أصل عشر أسر سورية لاجئة تعيش حاليا في لبنان في فقر مدقع حسب دراسة للامم المتحدة نفسها و التي شاركت بها مفوضية اللاجئين و برنامج الغذاء العالمي و اليو نيسف في نهاية ال 2020. يعيش البلد تحديات اقتصادية كبيرة و تضخّم حاد زاد من حدّته وباء كورونا و تفجير مرفأ بيروت. كل تلك العوامل ساهمت برفع نسبة الأسر اللاجئة تحت خط الفقر الى 89% في ال 2020 بينما كانت لا تتجاوز ال 55% قبل عام. مليون سوري في لبنان, تتوالى عليهم الكوارث الطبيعية من حرائق تلتهم خيمهم و أمطار و سيول تجرف ما تبقى منها و تشرّد النساء و الأطفال.
في التعليم, التحق الأطفال السوريون بالمدارس اللبنانية بدوامات صباحية و مسائية, غير أن المؤشرات الجديدة تظهر تراجع مطرد في نسبة التلاميذ المسجّلين و الذين يتابعون دراستهم الثانوية. فبحسب دراسة قام بها مجلس اللاجئين النرويجي 78% من الأطفال لم يتسجلوا بالمدارس لأسباب اقتصادية و 62% أجبروا على ترك المدرسة لأسباب الفقرو عدم توفّر الأمكانيات المادية.
ممارسات حياتية سيئة أجبر اللاجئون على استخدامها رغم خطورة مفاعيلها و أثارها السيئة من تخفيض عدد الوجبات اليومية لعدم توفّر الغذاء, عمالة الأطفال لمساندة أبائهم في المعيشة, المديونية و الهرب الى المجهول بحرا عبرجزيرة قبرص حيث معادلة النجاة و الهلاك متساوية.
أمثلة مأساوية من جملة تحديات يوميات نقرأها في عيون أطفال تمسح زجاج السيارات أو سيدات يبعن المناديل الورقية في الطرقات. فكيف لنا أن نتحدث عن محاربة للفقر و أنهاء للجوع و فرض التعليم للجميع.
ماذا لو سألنا هؤلاء الأطفال المحرومين و غيرهم من الأطفال اللبنانيين أيضا, فحال اللبناني اليوم ليس بالأفضل. ماذا لو سألناهم عما يعرفون عن أهداف التنمية المستدامة, كيف هي ردود فعلهم؟ و ماذا نتوقّع من اجابات؟
و يبقى النموذج اللبناني اليوم, بمواطنيه و لاجئيه, أرضا متعطشة لتنمية مستدامة تنتشله من بين الأنقاض و تعيده الى الحياة. فلتكن هذه البقعة الشرق أوسطية خير قصة نجاح تكتبها الأمم المتحدة في مشروعها التنموي الذي لا يزال يتخبّط بين الحاجات و التحديات و القدرات المتاحة.
من لبنان الى الأردن, الذي يستضيف العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطنيين أبان نكبة 1948. يعيش اليوم على أرض المملكة الهاشمية أكثر من 3 ملايين و 700 الف لاجئ من أكثر من 53 جنسية, غالبيتهم من الفلسطنيين و السوريين. الأمر الذي أدى الى تفاقم التحديّات السياسية و الاقتصادية في البلاد و الذي يتطلب تدخل و دعم دولي لمعالجة عدم الاستقرار في البلاد. أزاء تحدّياته الكبرى, عمد الأردن الى الحدّ من استجابته الانسانية في ظل الوضع السوري الذي يتحوّل يوما بعد يوم الى الأسوأ و الأصعب.
يعيش 84% من السوريين الاجئين في الأردن في المجتمعات المضيفة بدلا من المخيمات. واقع صعب يعيشه البلد اليوم بعدما أرهق هذا الكم الهائل من اللاجئين السوريين البنية التحتية الاقتصادية و الموارد في المملكة. فبات الشعب الأردني و ضيوفه من الجنسيات الأخرى يتشاركان المعاناة و التحديات في تأمين ظروف الحياة الكريمة. فأين هي خارطة طريق الاستدامة التي تتحدث عنها الأمم المتحدة أزاء الواقع الأردني؟
للأسف, باتت الصراعات من السمات الفارقة لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله, و هي بالتالي ترغم الملايين من المواطنين على مغادرة بلادهم بحثا عن الاستقرار و الأمن و الأمان. 60 مليون لاجئ حول العالم هو عدد اللاجئين اليوم يشكل الشرق أوسطيون منهم 40 % و على رأسهم الفلسطنيين و السوريين. فرضت تلك الأزمات تداعيات أنسانية و ضغوط كبيرة على الدول المضيفة الذي تبذل قصار جهدها للعناية بالموجات السكانية الطارئة المهدّدة بالمخاطر.
أسفرت حركات اللجوء عن تدهور منهجي لحقوق اللاجئين و نوعية حياتهم و مستوى التعليم و الصحة عندهم و أفاق المستقبل لهم و لأولادهم. واقع أنساني مأساوي يجعل أنفاذ إهداف التنمية المستدامة في الدول المضيفة أكثر تعقيدا و استحالة, دول باتت تعاني من الشح في الموارد و استنفاذ للقدرات في غياب أطار أقليمي لمواجهة طوفانات اللجوء و الأزمات.
على الرغم من الجهود الدولية من خلال مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين, يبقى العدد الأكبر منهم محروما من الوصول من الحقوق الأساسية مثل التعليم و الرعاية الصحية و التوظيف و حرية التنقل.
أمر واقع صعب و معقّد يجعل عددا من أهداف التنمية المستدامة أمرا عسيرا. فلن يكون القضاء على الفقر(1 ), القضاء على الجوع (2 ), الصحة الجيدة و الرفاه (3 ), التعليم الجيد (4 ), المياه النظيفة و النظافة الصحية (6 ), وظائف مجدية و نمو اقتصادي (8 ), مدن و مجتمعات مستدامة (11) و على رأسها السلام و العدل (16) بالامر المتاح في مجتمعات نامية تتنفّس الصعداء.
بقلم: د. مصطفى حسين كامل
أستاذ بعلوم القاهرة وزير البيئة الأسبق