إلى السيد چون الذي لم أعرف عنه شيءٍ إلا من خطاباته في مواقع التوظيف وسيرته الذاتيه العجيبة جدًا ..
أمّا بعد..
مرحبًا أيها السيد الغريب، ستتعجب من تلك المجنونة التي ترسل لك رسالةً لكن تخلى عن تعجبك قليلًا فلن تكون الرسالة الأخيرة.
سأغير الصيغة الآن چون أهلًا أنا ديزي، أعمل في أحد مكاتب التوظيف التي قمت بنشر سيرتك الذاتيه عليها طلبًا للعمل، لن أخبرك بكل شيءٍ عني بالطبع فأنا لا أعرفك بعد -وجه مبتسم-تعجبت من اسمي؟ سأخبرك بمعناه د ي ز ي حكمها نغنها لذيذ احم احم أمي تحّب الأزهار البيضاء واسمي منسوب لأحد بتلات الورود البيضاء الجميلة، تظل من خمسة لعشرة أيام من ثم تذبل وأعتقد هي المدة الكافية لي لأستعيد مزاجي مرةً أخرى.
أكتب لك من إحدى الأماكن الأكثر راحة لي، من أعلى نقطة يشوبها الهدوء من الحافة الثانية لسريري،بعد وقتٍ طويل للعزلة والإنطواء والبعد عن زخم الأصدقاء مرتدي الأقنعة، أنا لا أكره كثيرًا وأنسى سبب غضبي سريعًا لا أحب ذلك عن نفسي جدًا، شيئًا فشيئًا أفقد القدرة على الحديث و التماسك، أصبحت لا أحب السكون ولا أطيقه ولا أحب الحركة وأريد أن يسكن العالم، كثيرًا ما اسأل نفسي كيف يمكن للآخرين أن يرغبوا في الحديث إلي، كيف يمكنهم أن يحبوا الوجود جانبي؟ هل ما ألمسه منهم محبة صادقة أم محض مجاملة خرقاء.
لا أجد في نفسي ما يستميل الغير أو يميزني في عين الآخرين. لماذا لسنا بجانب من نحب؟ لمَ لا نستطيع عناقهم بكل ودٍ ودفء لنحمل معهم بعضًا مما أنهكهم. لماذا لا يمكننا أن نبوح بحقيقة ما يلهب صدورنا.
يبدو أنني أدور في حلقة مفرغة لا نقطة نهاية ولا الأرض تريد أن تسكن، أستعين على مُر الليالي بحكايا الأشخاص السعيدة ونبحر في بحور الخيال علنا نستمد الأمل ويتلاشى ذلك الألم، أخاف من الزمن والنور والرحيل أخاف الخوف والبعد والأشتياق أخشى الأيام، قد أكون شخصًا عاديًا لا يفعل المستحيل ولا يفعل ما قد تتغير على إثره البشرية، ربما لا أكون من الأشخاص الذين يفعلون أمورًا خارقةً، أقصد أمورًا قد تُسعد العالم.
لم أفعل شيئًا يجعلني أقفز فرحًا على سريري حتى أقع به رغم ثِقَلهُ، أو أتأخر في الرد على رسالةٍ كنت أنتظرها لأيامٍ، لم أفعل شيئًا لتهتم به الفضائيات لم أتزوج أميرًا مثل هاري حتى أنني لم أبني أسرتي إلى الآن.
لم أصاب بمرضٍ خطير ولم يتنمر عليّ مديري بالعمل لأتحدث عن معاناتي والتحديات التي واجهتها، لم ينكسر ظفري قبل مناسبةً مهمة حتى يفسد عليّ وضع طلاء الأظافر لأنّي لا أدعهم حتى ينكسروا خوفًا من الألم فأقوم أنا بتلك المهمة مسبقًا، لم ينكسر كعب حذائي في حفل عشاء العمل حتى أقع أو أبكي لأني أرتدي كل ما هو مريح بالنسبة لي.
كل ما أعلمه أني أفعل أشياء مهمة تستحق التقدير والإحترام شيء أحبه وأعيشه، لا أتذكر أني تأخرت عن عملي مرةً حتى وإن فاتني الباص، أرمي السلام دومًا مع الابتسام لبائعي الزهور وغيرهم من البسطاء.
إنني أمقت أولئك الذين يستخفون من عملي ولا يقدرونه، أمقت من يلقي نكاتًا سخيفة على نظارتي أو حتى حذائي الرياضي، هؤلاء يملكون وقتًا لكل شيء بعيدًا عن العمل.
عملت أن أجعل حياتي أقل بؤسًا مما تبدو عليه ولن يفهم أحد، ولا أهتم بمن يفهم.
نحن نبلي بلاءً حسناً في مواجهة كلّ هذا لوحدنا ونعرف أن الأمور تتعقد تباعاً ووحدنا المسؤولين عن أفعالنا ولانريد سوى… السكوت.
أعتذر عن إطالة الكلمات سيد چون سأغلق حاسبوي الآن ولا أدري متى سأكتب لكَ مرةً أخرى، لكنّي على علمٍ من قلبي أنّي سأكتب لكَ كثيرًا.
من شخصٍ سرقته سيرتك الذاتيه.
بقلم: دعاء جابر محمد عبدالرحيم
كاتبة صحفية وإعلامية