نعى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أمس، الطاهر بن أحمد، مشرف تحدي القراءة العربي في موريتانيا، والذي رحل عن الدنيا بعد صراع مع المرض. ودوَّن سموه عبر حسابه الرسمي على موقع «تويتر»: «الطاهر بن أحمد.. مشرف تحدي القراءة العربي في موريتانيا.. كان يشرف سنوياً على أكثر من 500 ألف طالب في أكبر مسابقة عربية للقراءة.. توفي بعد صراع مع المرض.. رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه»، وأضاف سموه: «سيثمر ما بذره قريباً، شباباً يرفع بنياناً عظيماً لأمتنا العربية».
وعن عمر يناهز الـ 60 عاماً، رحل الطاهر بن أحمد، الذي رافق تحدي القراءة العربي منذ لحظاته الأولى، وحتى يومنا الراهن.
ونعت منى سعيد الكندي، الأمين العام لتحدي القراءة العربي، الطاهر بن أحمد، الذي وصفته بـ «الرجل الفاضل الذي يستحق كل التقدير»، وقالت في تصريح لـ «البيان»: «فقدت أمة (تحدي القراءة العربي)، أمس، وفقد أبناؤنا في موريتانيا الحبيبة، الأب والراعي الأول لمبادرة تحدي القراءة العربي، منذ عامها الأول وحتى يومنا هذا، في الدورة الخامسة في موريتانيا»، وأضافت: «لقد كان الطاهر بن أحمد معلماً حكيماً، اجتهد في دعم الأطفال والشباب، وحثهم على القراءة والمشاركة في التحدي، فلم يتوانَ لحظة واحدة، رغم كبر سنه، ومعاناته مع المرض، في الوصول بأبناء موريتانيا إلى منصات التتويج والتميز المعرفي والثقافي في بلده، كما لم يتوانَ أبداً في إيصالهم إلى سدة مسرح التحدي في ختامه السنوي، لذا، فهو يستحق منا كل الاحترام والتقدير، لما قدمه من جهد وتعب، ولما له من فضل على العملية التربوية».
منى الكندي، أشارت في حديثها إلى أنها فقدت على المستوى الشخصي «أخاً ناضجاً وشريكاً في نجاح التحدي». وقالت: «لقد كان، رحمه الله، دائم الاهتمام في التحدي، ليس على مستوى موريتانيا، وإنما على مستوى المنطقة العربية كلها، فقد كان دائم السؤال عن الطلبة والمشاركين، ودائم الاهتمام بهم، وبرحيله عن الدنيا، فقدنا معلماً مميزاً ومشرفاً هادئاً، صاحب أخلاق عالية».
من جهة أخرى، نعت أسرة تحدي القراءة العربي، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، الطاهر بن أحمد، حيث قالت في تغريدة أطلقتها عبر «تويتر»: «كان من أوائل الداعمين لمبادرتنا، وركناً أساسياً في نجاحها.. رحم الله معلم الأجيال. إنا لله وإنا إليه راجعون».
همة عالية
الراحل الطاهر بن أحمد، المولود في عام 1961 في نواكشوط، كان معروفاً بنشاطه وارتفاع همته وطموحاته، وهو الذي درس الابتدائية والإعدادية في نواكشوط، قبل أن يلتحق بمدرسة تكوين المعلمين، ليكون أحد أبناء دفعتها الأولى، ليتخرج فيها، وينخرط في سوق العمل التربوي، بدءاً من 1982 وحتى رحيله.
أولى خطواته في المسار التربوي، كانت بوظيفة مدير مدرسة في منطقة لكليبية، حيث عمل هناك لنحو 10 سنوات، تأرجح خلالها بين وظيفته كمعلم ومدير مدرسة ومستشار تربوي، ليلتحق بعد ذلك في المدرسة العليا للتعليم، حيث تخرج فيها مفتشاً مساعداً، والتي أهلته لأن يعمل مفتش مقاطعة، ومنها مفتشاً رئيساً لمدة عامين، حتى تخرجه في المدرسة العليا للتكوين، التي قدم خلالها رسالة تربوية الطابع، حملت عنوان «الأبعاد التربوية للحديقة المدرسية»، والتي يؤكد فيها أن كل ما يدرس داخل الغرفة المدرسية، يمكن أن يدرس خارجها عن طريق الحديقة المدرسية، والتي يتم تصميمها وفق أشكال هندسية معينة.
عطاء الراحل الطاهر بن أحمد، بدا أشبه بنهر جارٍ، لم يتوقف لحظة واحدة، وهو الذي عمل أيضاً في وزارة التربية والتعليم، في وظيفة مشرف على «تكوين المكونين»، ليجري تعيينه لاحقاً مديراً مساعداً للتعليم الأساسي، ومن ثم عين مفتشاً مكلفاً للرقابة الإدارية والتسيير، وهي التي كان يشغلها قبل قرابة خمس سنوات. لم ينقطع الطاهر بن أحمد يوماً عن عمله الذي أحب، وهو الذي عرف أيضاً بحبه لوطنه وللمجال الثقافي أيضاً، حيث رشح لمنصب عمدة بلدية الزويرات في عام 2000.
ومع انطلاق تحدي القراءة العربي، حمل الراحل الطاهر بن أحمد، الذي درس أيضاً في تخصص الصحافة، على عاتقه، رسالة التحدي، واجتهد في إيصالها إلى كافة أنحاء موريتانيا، حيث شغل الراحل منصب المنسق العام للمشروع في موريتانيا، حيث دأب على متابعة تطوراتها، وحث الطلبة على الانضمام إليها، وهو الذي طالما اعتبرها «منتجاً علمياً اجتماعياً»، كما دأب على التأكيد على أن أهداف التحدي، تتعدى مهمة القراءة، إلى دعم القدرات التواصلية واللغوية للتلاميذ، وتنمية مواهبهم في مختلف المعارف، وتكوينهم الذاتي لمساعدتهم على الإبداع.
يتمتع الراحل الطاهر بن أحمد برصيد علمي عالٍ، فهو حاصل على درجة الماجستير في طرق التدريس في الجامعة السويسرية عام 2011، كما حصل أيضاً في 2013 على درجة الماجستير في القيادة والتسيير للأنظمة التربية (الأسس والمجالات والأبعاد)، في جامعة سنجور بالإسكندرية – مصر، إلى جانب حصوله على شهادة في علوم السياسات اللغوية في جامعة كان في فرنسا عام 2006.
من جهة أخرى، شغل الراحل خلال الفترة من 2010 وحتى 2017، منصب المفتش العام المكلف بالرقابة الإدارية والتسيير لجميع الوحدات المركزية واللا مركزية، والمؤسسات التعليمية في الوزارة في المرحلتين الأساسي والثانوي (وزارة التهذيب الوطني).
لم يكتفِ الراحل بالاهتمام في السلك التربوي، وإنما مد نشاطه نحو مجالات الثقافة والرياضة، حيث حصل خلال مسيرته الطويلة على عضوية مجموعة من الهيئات والجمعيات، من بينها رئيس لجنة الثقافة في بلدية افديرك، ورئيس الاتحادية لكرة القدم في ولاية تيرس زمور، ورئيس الاتحادية لكرة القدم في ولاية إنشيري، ورئيس اللجنة الجهوية لكرة القدم المدرسية على المستوى الوطني، والمفوض للكشافة والمرشدين في تيرس زمور وإنشيري، والعمدة المساعد في بلدية دار النعيم – انواكشوط، كما شغل منصب الأمين العام للاتحاد المنصف لعمال موريتانيا في نواكشوط خلال الفترة من 2019 إلى 2020، وأيضاً رئيس لجنة الشباب والتنمية في موريتانيا، خلال الفترة من 1998 وحتى 2020.