يعتبر الملف النووي الايراني من الأزمات الساخنة التي تشكل تهديداً للأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والذي له صدى واسع الإنتشار في كثير من الدول وبالأخص الدول الغربية، مما قد يصاحب هذا الملف من امتلاك إيران للقدرات النووية يمكن أن تسخرها للأغراض العسكرية.
حيث أنه في عام 1968 وقعت ايران معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وصدقت عليها في عام 1970 ، إلا أن اكتشاف مواقع نووية سرية في إيران عام 2002، شكّل نقطة تحول في الملف النووي الايراني .
في عام 2005 م ، قدم الإتحاد الأوروبي عرضاً ل طهران بوقف أنشطة إنتاج الوقود لمدة عشر سنوات، واستخدام الواردات المضمونة من اليورانيوم المنخفض التخصيب، وإعادة الوقود النووي المستهلك إلى الدول الموردة ، إلا أن إيران استأنفت بتخصيب اليورانيوم، وألغت تعليق أنشطة البحث والتطوير النووي ، وأوقفوا تنفيذ البروتوكول الإضافي، وكان ذلك ايذانا باختلاف حاد بين الفريق الأوروبي وطهران.
لذا أصدر فريق التفاوض الاوروبي بياناً في كانون الثاني عام 2006 ، انتقد فيه تعنت الجانب الإيراني، وأن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، وأنه يجب إشراك مجلس الأمن الدولي لتعزيز سلطة قرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومن جانبها أصدرت الوكالة في 4 شباط 2006 قرار بالرقم( GOV /2006/14) ، والذي تضمن مطالبة إيران بتعليق كافة أنشطتها المتعلقة بالتخصيب، واعادة النظر في بناء مفاعل آراك للمياه الثقيلة ، والتصديق على البروتوكول الإضافي، والتعاون الكامل مع تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فضلا عن إحالة الملف النووي الايراني الى مجلس الأمن الدولي .
وأصدر مجلس الأمن في ( 29 آذار ) بيانا يحث فيه إيران إلى تطبيق شروط الوكالة قبل نهاية نيسان من نفس العام ، وعلى أثر انضمام الصين وروسيا والولايات المتحدة في ( حزيران عام 2006) إلى فريق التفاوض الاوروبي ، بات يطلق على الدول التي تتولى المفاوضات مع إيران مجموعة( 5+1 ) ، في إشارة إلى الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي فضلا عن ألمانيا.
وبعد أن رفضت إيران الامتثال لبيان مجلس الأمن، أصدر مجلس الأمن عدة قرارات بحق إيران تتضمن:
فرض عقوبات على إيران اذا لم تمتثل لقرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حظر بيع لإيران معدات وتجهيزات يمكن أن تدخل ضمن برنامجها النووي والصاروخي، أيضا حظر تقديم المساعدات الفنية والمادية وعدم الإستثمار في كل ما له علاقة بالبرامج النووية والصاروخية لإيران، حظر شراء الأسلحة من إيران، منع تصدير الأسلحة الثقيلة ل طهران، بالإضافة الى تجميد الأرصدة المالية لثلاثة عشر كيانا إيرانيا مرتبطا بالانشطة النووية الإيرانية.
وفي ( 30 تموز 2008 ) فرض الإتحاد الأوروبي عقوبات على إيران بخلاف عقوبات مجلس الأمن، إذ أعطى تعليماته لمؤسسات مالية بفرض قيود على ائتمانات الصادرات الإيرانية، والسماح بتفتيش البضائع المتجهة إلى إيران.
ومع رفض إيران لقرارات مجلس الأمن الدولي، واستمرار فرض العقوبات على طهران ، عُقدت مفاوضات بتاريخ 26 مارس إلى 2 ابريل 2015 ، بين إيران ومجموعة ( 5 +1 ) من اجل الوصول إلى تسوية شاملة بحيث يقتصر البرنامج النووي الإيراني على النواحي السلمية والتخلي عن الجانب العسكري.
نص الإتفاق الذي استمر في مفاوضات لمدة 18شهرا :
1- تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي بمقدار الثلثين خلال فترة 10 سنوات من 19 ألف جهاز إلى 6104 جهاز ، وسيكون ل 5060 منها فقط حق إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة لا تتجاوز 3.67 % خلال فترة 15 سنة وسوف تكون جميع أجهزة الطرد المركزي المستخدمة هي من الجيل الأول فقط.
2- أن تتولى الوكالة الدولية للطاقة الذرية عملية مراقبة جميع المواقع النووية الإيرانية بشكل منتظم، ولمفتشي الوكالة الحق في التفتيش لمدة 25 عاماً .
3- وافقت إيران على دخول مفتشي الوكالة بشكل محدود إلى مواقع غير نووية خاصة العسكرية، وذلك في إطار البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الإنتشار النووي.
4- رفع العقوبات الدولية المفروضة 800 مؤسسة وشخصية إيرانية.
5- رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية والعقوبات المفروضة بموجب قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي بدءاً من لحظة تأكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتعهدات إيران، مقابل عودة العقوبات خلال 65 يوما في حال عدم تنفيذ إيران للشروط.
لعبت هذه الإتفاقية دورا مهما في المحافظة على البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني واستمرارها في تخصيب اليورانيوم ضمن الشروط ، على ان تلغى هذه الشروط بعد 10 سنوات في حال اتضح للوكالة الدولية عدم تعهد إيران بعدم زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم عن 3.67 %.
وفي كانون الثاني عام 2016 أصدر الإتحاد الأوروبي قرار بإلغاء جميع العقوبات المالية والإقتصادية المفروضة على إيران.
أدى فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني 2016 ، إلى حدوث انطاف خطير في مسار خطة العمل المشتركة، إذ انه كان ينتقد تلك الصفقة منذ أن كان مرشحا للرئاسة الأمريكية.
وعند تولي ترامب الرئاسة أجرى تعديل على الإتفاق النووي الايراني، إذ طلب في 12 كانون الثاني 2018 ، من الكونغرس الأمريكي ، والدول الأوروبية تعديل خطة العمل المشتركة في غضون 120 يوما ، والا فإن واشنطن ستنسحب من الإتفاقية، إلا أن الوفود الأوروبية رفضت المطالب الأمريكية، فضلا عن رفضها مناقشة تفاصيل خطة العمل علانية . وفي 8 آيار 2018 ، أعلن الرئيس الأمريكي ترامب انسحابه من الصفقة النووية مع إيران، وفرض عقوبات عليها. وفي اليوم نفسه أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية جدولا زمنيا لإستعادة العقوبات الشاملة ضد الشركات العالمية التي تتاجر أو تستثمر في إيران، وقد بينت أن تلك العقوبات ستشمل:
شراء الأوراق النقدية بالدولار الأمريكي من قبل حكومة إيران، وتجارة إيران في الذهب أو المعادن الثمينة، وبيع أو توريد أو نقل المعادن من الجرافيت أو الخام أو نصف المصنعة بشكل مباشر أو غير مباشر مثل الألمنيوم والصلب والفحم والبرمجيات لدمج العمليات الصناعية، والمعاملات المتعلقة بشراء أو بيع الريال الإيراني، أو الإحتفاظ بأموال أو حسابات كبيرة خارج أراضي إيران بالريال الإيراني.
بعد مرور عام كامل على انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي، أعلنت إيران في 8 آيار 2019 ، انها ستتخلى عن أجزاء من التزاماتها بموجب خطة العمل، وأنها ستقوم بتعليق الالتزام بقيود تخصيب اليورانيوم، وتحديث مفاعل آراك للمياه الثقيلة، وعن التوقف عن وضع حدود لمخزوناتها من اليورانيوم المنخفض التخصيب.
وفي 7 آب 2019 ، منعت السلطات الإيرانية مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى محطة التخصيب في نطنز ، وأخذ العينات من المنشآت الإيرانية، وعبرت إيران عن ذلك : ” أن إيران لم تعد تعتبر نفسها ملزمة بالاتفاق ” .
وفي 6 تشرين الثاني 2019 أمر الرئيس روحاني منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بإدخال غاز اليورانيوم في أجهزة الطرد المركزي في منشأة فوردو، منتهكاً حظر أنشطة التخصيب في الموقع الذي وضع بموجب الاتفاق النووي 2015 .
إذ استأنفت إيران التخصيب بنسبة 4.5% من يورانيوم- 235 بإستخدام 696 جهاز طرد مركزي من طراز IR-1 في موقع فوردو.
وفي الختام :
فإن الشرق الأوسط بالنسبة للاستراتيجية الإيرانية بيئة مهيمنة لفرض الإرادة الإيرانية وتقديم إيران مشروعها القومي الفارسي.
ان التكهنات بانعكاس تأثير الاتفاق النووي بين إيران ودول ( 5 + 1 ) متضاربة، فبينما يرى الكثير من صناع القرار في الخليج ان الاتفاق النووي بين إيران والغرب سيشكل تهديدا للأمن القومي الخليجي، وأن رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران سيوفر لإقتصادها انتعاشا سينعكس عبر المزيد من التدخل في الشؤون الداخلية الخليجية والعربية ، نجد ان بعض المراقبين يقللون من شأن الاتفاق النووي بل ويعدونه إنتصارا لارادة الغرب التي حيدت المشروع النووي العسكري الإيراني.
بقلم: فاتن أحمد الحوسني
كاتبة وباحثة