المشهد الأول: “سالم” هو شاب يافع بدء مشواره في سن مبكرة، حيث التحق متطوعا بمدرسة التدريب وأنتقل من الحياة المدنية إلى الحياة العسكرية وهو لم يتجاوز سن الثامنة عشر، رغبة في الدفاع عن هذه الأمة وهذا الوطن وترابه المقدس.
تمكن حميد من اجتياز كافة التدريبات والفرق العسكرية المكثفة التي كلف بها، وكان الشاب مثالاً رائعا في البسالة والإقدام ومساعدة أقرانه، وكان محبوبا من قبل مدربيه فكانوا لا يترددون بنصحه وارشاده، كان الشاب رشيق الحركة وذو لياقة بدنية ممتازة وحصل على تدريب مكثف من قبل قادة ميدانيين متميزين من ذوي الخبرة القتالية العالية والمعرفة الشاملة بأنواع الأسلحة وطرق استخدامها.
دائما ما يتم الحاق المتدربين الجدد بدورات وفرق عسكرية تهدف الى زرع روح التنافس بينهم لخلق روح قتالية ودفاعية قوية وثقة بالنفس.
الحياة العسكرية علمت الشاب الرجولة والاحترام وسعة الصدر، فما أقسى الحياة بلا ألوان … بلا انترنت …. بلا نشرة أخبار …. بلا وجه أمك أو صوت أحبائك.
تمر أيام التدريب على الشاب كمر السحاب، ويبدأ الشاب في كتابة مدوناته يوماً بعد يوم حتى أصبحت شيء من حياته ونفساً يتنفسه يكتب أشتياقه لأمه، يكتب أسماء وعناوين من يحبهم فالتدريبات قاسية بل ربما لا تصف كلمة “قاسية” درجة الألم والتضحيات التي يقوم بها خلال التدريبات، فأرض المعركة قريبة وفي انتظاره، ولا مكان هناك للألم ولا للخوف أو التردد، ويجب تحمل كل شيء وأي شيء.
المشهد الثاني: “سالم” جندي داخل الطائرة الحربية متجهين إلى أرض المعركة، في رأس الشاب الكثير من الذكريات، صراخ أمه ودموع أخوته وأحياناً ابتسامات تصل إلي حد الضحك، ينظر من خلال نافذة الطائرة سعيداً برغم الرعشة التي انتابت جسده، صورة أمه وأخوته، والده وأخر ليلة سهر مع أخاه الأكبر وأهل قريته وكيف ودعه الجميع في تلك الليلة وداع الأبطال، يتذكر كلماته لأخيه بأنه سوف يتولى شئون الأسرة ويحل محله بعد أن يعود من أرض المعركة.
المشهد الثالث: جلسة سمر على صليل الأكواب وكصيص الحطب المحترق، يحتسي كوبا من الشاي أثناء تواجده بخيمة المعسكر، وحوله الوجوه السمراء لجنودنا يسود المكان الهدوء والصمت، فليس هناك سوى عدد من البيوت مهجورة التي دمرتها الصواريخ والطائرات.
دوي أحد مدافع العدو تكسر الصمت والهدوء المحيطين، تتطاير أفكاره ويعود لأرض الواقع، الناس يفرون إلي بيوتهم في ذعر، الدخان يتصاعد، الطلقات المتواصلة، رفع درجة الاستعداد للدرجة القصوى معلنا بدء المعركة ومواجهة العدو، تتكاثف في السماء سحبا داكنة تحجب النجوم، يسري الخوف بداخل “حميد” ليس خوفا على نفسه وحياته، ولكن خوفا على وطنه، يزداد القصف العنيف ويغطي اللون الأحمر المكان، أشلاء وشظايا، تعلو أصوات قذائف المدفعية الثقيلة وتزداد قربا، يزيده ذلك إصرارا على مواصلة القتال، لا يرى سوى صورة أمه وأخوته وكأنه يستنجد بهم .
المشهد الرابع: “سالم… سالم…” يفيق على صوت أمه تناديه، ولكنه في مكان غير المكان، وزمان غير الزمان.
للمهام رجال، ورجال الإمارات كانوا عند حسن الظن بهم، فالسجل الوطني للإمارات حافل بالإنجازات لقواته المسلحة والأدوار التاريخية كالمشاركة في قوات حفظ السلام في أدوار ومهام تحمل قيم إنسانية عالية.
إن سجل أسماء أولادك يا إمارات حافل بالنماذج المشرفة، بدأها أول شهيد “العريف / سالم سهيل خميس” ابن السادسة عشر عاماً، الذي استشهد وهو يدافع عن تراب إماراتنا الحبيبة بسلاحه البسيط، وذلك في العام 1971 أثناء المعركة دفاعا عن جزيرة طنب الكبرى، ليجعل العلم شامخاً ولترفرف روحه إلي السماء فداءً للوطن، لذلك تزامن يوم الشهيد بأمر من صاحب السمو رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان حفظه الله ليكون في 30 نوفمبر من كل عام مع تاريخ استشهاد أول إماراتي.
قال تعالى: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سْبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”
صدق الله العظيم
بقلم: الشيماء خليف
2 التعليقات
خالد عبدالقادر
2019-12-11 at 2:27 ص (UTC 4) رابط التعليق
مقال رائع، احسنت
(0) (0)احمد عادل
2019-12-11 at 2:47 ص (UTC 4) رابط التعليق
معلومات وقصص واقعيه لم اسمع عنها من قبل ، شكرا للتنويه عنها
(0) (0)