محمد عبدالمجيد – دبي
تحت عنوان “صناعة الاستقرار: مساهمات القطاعات المؤثّرة” تواصلت أعمال مؤتمر “فكر16” لليوم الثالث على التوالي، وعُقدت ثلاث جلسات متزامنة حملت عناوين مختلفة، شارك فيها 17 متخصّصاً من أرجاء الوطن العربي، وتناولت القطاعات المؤثّرة في العقل العربيّ ووجدانه، وكذلك في تكوين القِيَم والاتّجاهات المجتمعية.
ناقشت جلسة “الإعلام” أدوار الإعلام المرئيّ والمكتوب، والتي تتراوح بين السلبيّة كترويج أخبار كاذبة والتحريض على الانقسام والفوضى والتطرّف، والإيجابيّة كتصحيح المفاهيم وغرس قيم التكامل الوطني وتنميتها. شارك في الجلسة كلّ من مدير عامّ أبو ظبي للإعلام الدكتور علي بن تميم، وزير الإعلام اللبناني ملحم رياشي، رئيس الهيئة العامّة للاستعلامات في مصر الدكتور ضياء رشوان، رئيس مجلس إدارة شركة هيكل للإعلام الأستاذ عبدالسلام هيكل. وأدارتها رئيسة تحرير صحيفة ذا ناشيونال أبوظبي السيدة مينا العريبي.
تحدّث الوزير رياشي عن المتغيّرات الحاصلة في قطاع الإعلام، وأكّد أنّ الإعلام اليوم أصبح إعلاماً أفقيّاً وحادّاً لا يتعامل مع الأحداث بدقّة وعمق، وأصبح إعلام النتيجة من دون قراءة مُعمّقة للأسباب، وهو إعلام خاضع لتوتاليتارية وسائل التواصل الاجتماعي، الذي تملكه شريحة كبرى لا تهتمّ بالدقة، وذلك يعود لسببين: ضيق الوقت بسبب الطبيعة الاستهلاكية للحياة، وفقدان قيمة ولذّة الجدل بطبيعته الفلسفية والثقافية والاجتماعية، إذ لم يعد هناك مكان لهذا الجدل وصولاً إلى تبسيط الأمور وتسطيحها.
ورأى الوزير رياشي أنّ صحافة اليوم هي في أغلبها نمطية تخدم مجتمعاً ينفعل الانفعالات نفسها ويخضع للمؤثّرات نفسها، ويسعى إلى تعليب العقول الذي يتمّ وفق آلية خطرة، عبر حشرجة صالونات السياسة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. وأكّد أنّ الحلّ يكون بإعادة المشهد إلى أصله، إلى القيم المشرقية التي يمكن تصديرها إلى العالم. داعياً إلى وضع خطّة تنفيذية برسم المسؤولين في دولة الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية والدول المسؤولة، تقوم باستنهاض العقل العربي من جديد.
وتحدّث الدكتور علي بن تميم عن دور الإعلام الثقافي في أربع مجالات هي: محاربة التطرّف والإرهاب، وتشكيل الوعي المجتمعي، وبناء القِيم، وبناء الهويّة. وأكّد أنّ الإعلام في أبسط تعريفاته هو النقل الموضوعي للأخبار والوقائع، وقد يسعى هذا الإعلام إلى تزويد المتلقّي بأكبر قدر من المعلومات الدقيقة والوقائع الواضحة لغايات التثقيف والتنوير، وقد يقوم على التزييف والأكاذيب التي تُسهم في بثّ الفتن وإحياء عوامل التفرقة داخل المجتمع.
وأكّد الدكتور بن تميم على الدور المعرفي والتنويري الذي يجب أن يضطلع به الإعلام في التصدّي للإرهاب، ومحاولة تأسيس وعي يقوم على العقلانية، داعياً للاستثمار بقوّة في الإعلام الرقمي ليصبح إعلاماً معرفياً ثقافياً تنويرياً، يُحدث الأثر الإيجابي المطلوب. وشدّد على أنّ نشر الوعي الثقافي وتقديم النماذج الإيجابية التي تبني الشخصية، وتصنع القدوة، وتُنير واقع الأمّة الذي يتطلّبُ تضافر المنصّات الإعلامية لمحاربة الوعي المزيّف، ونبذ ثقافة الكراهية والإقصاء، إذ إنّ شيوع هذه الثقافة وما يُعبّر عنها من خطابات فكرية ودرامية، هو خنجر مسموم في صدر المجتمع، يصعب على أيّ مجتمع أن يتعافى منه، كما أن نشر الوعي الثقافي يتطلّب بلورة خطاب فكري وفنّي يقوم على التعدّدية الثقافية التي تحترم الخصوصيات، المُناقضة للـ “يوتوبيا الإيديولوجية”، والدمج القسري بين الثقافات. وشدّد على ضرورة تعزيز خطاب التسامح ونشره، وتعزيز قيم العيش المشترك، ومواجهة المصير الواحد على مستوى المجتمع، وتحقيق الأهداف الإنسانية المشتركة في ظلّ تعدّدية تبني ولا تهدم، وتشجّع الوسطية والاعتدال.
وشدّد على أنّ أنّ هذا النوع من الإعلام يقف بالمرصاد لإعلام الفتنة، ويعملُ على تقوية التماسك المجتمعي في وجه الحركات الدينية المتطرّفة التي لا تعرف التسامح وترفض الحوار، لأنّ التسامح هو نقيض بنيتها، ولأنّ الحوار يؤدّي إلى تفكيكها، لافتاً إلى أنّ هذه الحركات هي أسيرة تاريخٍ مختلف تماماً عن الواقع الراهن، وأنّ الأساس الجامع لها، هو غربتها التاريخية، وعدم احتكامها للوعي. ودعا إلى امتلاك لغة فكرية تعي لغة المتطرّفين وتعرف كيف تُفكّك آليات خطابهم، وتبيّن آثاره المدمّرة على قيم الاعتدال في المجتمع، وعلى بنية الدولة الوطنية ومقوّماتها. كما شدّد على قدرة الإعلام في تشريح العقل الإرهابي وتفكيك خطاباته، لا يتأسّس إلّا بوجود عقل نقدي يرصد الصراع بين الفكر الإرهابي والمجتمعات العربية المعاصرة.
واعتبر الأستاذ ضياء رشوان أنّ الإعلام لطالما حظي باهتمام خاصّ لدى الجماعات المتشدّدة وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين. وازداد هذا الاهتمام أكثر على أثر ثورة 30 يونيو 2013، حيث تملك الجماعة اليوم ما يقارب 12 قناة، موجّهة إلى مصر والمغرب العربي. ولفت إلى أنّ الجماعة التفتت مبكّراً إلى مواقع الإنترنت، وكان خيرت الشاطر النائب الأوّل لمرشد الجماعة، أوّل من أنشأ موقعاً إلكترونياً للتعبير عن مواقف الإخوان. غير أنّه لاحظ أنّ هذه القنوات لم تَصف يوماً أيّ جماعة متشدّدة بالإرهابية حتى تنظيم “داعش”.
وأكّد أنّ الجماعة تستخدم الإعلام كأداة لتحقيق أهدافها، ومن بينها خلخلة الوضع الداخلي في مصر والسعودية والإمارات، وخلق حالة غضب شعبي على الأنظمة الحاكمة في هذه الدول، ومحاولة زعزعة السلطة، وإفساد العلاقات العربية مع الدول الأوروبية والأميركية، فضلاً عن بثّ الأمل والثقة في نفوس المنتمين إلى الجماعة.
من جانبه، اعتبر عبد السلام هيكل أنّه من غير المُنصف الاستمرار في تحميل وسائل الإعلام وزر ما ليست مسؤولة عنه أصلاً. وأكّد أنّ الأمانة الإعلامية كلمة مطاطة، وإذا كان مطلوباً من وسائل الإعلام أن تكون موضوعية وحيادية، فعلينا قبل ذلك أنّ نعرّف الموضوعية والحيادية لأنّهما مفهومان خلافيان، كما أنّه لا وجود لحقيقة كاملة في الإعلام. وأشار إلى أنّ الإعلام عموماً ينشغل بالأخبار والأحداث، لافتاً إلى أنه لا بدّ من الحديث عن الاتّجاهات والمسارات، ولا بدّ للإعلام من المساعدة في تشكيل الرؤى والخيارات في منطقتنا الزّاخرة بالأحداث، وذلك لمساعدة الناس على مواءمة حياتهم مع ما سيأتي من تغيير. وأكّد أنّ عصر الإعلام الموجّه انتهى، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي سمحت لأيّ شخص مشاركة أفكاره مع الناس في كلّ مكان، والانتقال من العالم الحقيقي إلى العالم الافتراضي.
وأسف هيكل لأنّنا في الإعلام العربي لدينا آراء وليس معلومات، ولا وجود لمعلومة قريبة إلى الحقيقة، ودعا إلى تعزيز المحتوى الإعلامي الموجود على الإنترنت لتحقيق التنمية، محذّراً من أنّ المحتوى العربي الموجود على الإنترنت يروّج لعادات يجب الابتعاد عنها، وينشر معلومات خاطئة. ولفت إلى أنّنا نعيش اليوم في عالم من المنصّات الرقمية وعلينا معرفة كيف تفيدنا وكيف تضرّنا، داعياً إلى إيجاد منصّات عربية كبرى تراعي المعايير المهنية.
الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي
تناولت جلسة الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي الواقع الجديد الذي أوجدته وسائل التواصل الاجتماعية والطريقة المثلى للتعامل معه بشكل إيجابي، يضمن عدم تحويل المستخدمين من مجرّد تلقّي المعلومات إلى إعادة إنتاجها، وتعزيز الوعي كنوع من التحصين ضد الأفكار السلبية التي تنتشر على هذه الشبكات. شارك في الجلسة كلّ من أستاذ الألسنية المعلوماتية والإعلام الرقمي في لبنان الدكتور غسّان مراد، والأكاديمية في جامعة الملك محمد الخامس الدكتورة زهور كرّام، والرئيس التنفيذي للابتكار في مختبرات الدبلوماسية في الأردن الأستاذ أشرف زيتون، ومؤسّس شبكة نخوة للتطوّع والتنمية الأستاذ كامل الأسمر، والأستاذ عبد الله النعيمي مدير مشاريع مكتب الدبلوماسية العامة في وزارة شؤون مجلس الوزراء والمستقبل. وأدارت الجلسة رئيسة تحرير صحيفة البيان الأستاذة منى بوسمره.
استهلّت بوسمره الجلسة بطرح السؤال الأساسي: كيف نستطيع الاستفادة من انتشار وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير إيجاباً في الشباب والمساهمة في صناعة الاستقرار في الوطن العربي. وتوقّفت عند ضرورة مواكبة الإعلام العربي للتطوّر التكنولوجي وحُسن استخدام الأدوات الجديدة التي يتيحها الإعلام الرقمي. ثم منحت الكلمة للدكتور غسان مراد الذي أوضح أنّ شبكات التواصل الاجتماعي ليست وسائل إعلام بالمفهوم العلمي للإعلام كعلم بل هي وسائل للتواصل، فهي لا تصنع المضمون بل تصنع المعلومات والبيانات. ورأى أنّ الشباب في الوطن العربي لا يشعر بالانتماء إلى وطنه وما يعزّز هذا الشعور لديه هو تعامل أصحاب القرار معه على أساس أنّه شريحة منسلخة عن المجتمع، وهذا ما يجعله ضحيّةً سهلةً للأفكار السلبية وحتى المتطرّفة.
كيف نستطيع التأثير إيجاباً على المستخدمين، يسأل مراد، ليجيب أنّ الحلّ هو في حُسن استخدام البيانات الضخمةBig Data من قبل الحكومات العربية وأصحاب القرار في مختلف القطاعات، وذلك لفهم توجّهات المستخدمين وهواجسهم كمنطلق لوضع استراتيجيات للتعامل معهم ومعالجة مشكلاتهم.
وأكّد على أهمّية نشر الوعي بين المستخدمين لكي يُحسنوا استخدام الشبكات الاجتماعية وعدم التأثّر بالأفكار المتطرّفة.
هذا الرأي لقيَ صدىً لدى الدكتورة زهور كرّام التي اعتبرت أنّ الوعي يجعلنا نفهم موقعنا الجديد والأدوات الجديدة المتاحة لنا. ورأت أنّ المدخل إلى فهم الواقع الجديد يجب أن يكون مدخلاً ثقافياً قائماً على الوعي، كي يعرف المتلقّي أنّ المعلومة على مواقع التواصل هي مجرّد معلومة وليست معرفة، وعليه إعادة إنتاجها. وأكّدت أنّ نشر الوعي يبدأ من المدرسة والجامعة، فالتعليم الذي يواكب كلّ هذه المتغيّرات الجديدة ومتطلّباتها هو المدخل إلى تعزيز ثقافة الوعي لدى مستخدمي الإنترنت وشبكات التواصل حول كيفية التعامل مع الأدوات الجديدة.
وأكّدت أنّ المعلومة هي مكوّن جديد في الطبيعة يُضاف إلى المكوّنات الطبيعية الأربعة أي الماء والنار والهواء والتراب، والتي تضمن استمرار الإنسان، فالمعلومة اليوم تحدّد استمرارنا أو هلاكنا.
أهمّية المعلومة هي أمر شدّد عليه الأستاذ أشرف زيتون الذي اعتبر أنّ القدرة على الوصول إليها، جعلت الفرد اليوم يملك قوّة لم يملكها في تاريخ البشرية. فهو قادر على نشر قضاياه والتعبير وتلقّي المعلومات ونشرها. وعرَض الأرقام المرتفعة لاستخدام الشبكات الاجتماعية في العالم العربي، مؤكّداً أنّ التعامل مع البيانات الضخمة التي يولّدها هذا الاستخدام يشكّل أكبر تحدٍّ أمام الحكومات العربية التي عليها أن تجد الطريقة الفضلى لاستخدام هذه البيانات للمصلحة العامّة.
اختار الأستاذ كامل الأسمر تقديم عرض مفصّل عن شبكة نخوة التي أسّسها للتطوّع في الأردن كنموذج عن كيفية استخدام الشبكات الاجتماعية للتأثير إيجاباً في الشباب الذي اعتبر أنّهم ضحية أنظمة التعليم الخاطئة. وعرض قصصاً واقعية عن فرص صنعها الإعلام الاجتماعي للشباب.
بدأت تجربة الأسمر من خلال إنشاء مجموعة على فيسبوك لنشر الوعي عن فرص التطوّع في الأردن ووصل عدد المتطوّعين خلال عام إلى 8 آلاف شخص، واستطاعت الشبكة خلال سنوات أن تصبح منصّة تستطيع من خلالها المؤسّسات الوصول إلى الشباب لنشر الوعي حول عملها، ويستطيع الشباب من خلال الحصول على فرص للتطوّع أو العمل. واليوم تضمّ شبكة نخوة 22 ألف متطوّع مسجّل وتتيح أكثر من 1500 فرصة تطوّع في ست دول عربية في أكثر من 20 مجالاً.
في المداخلة الأخيرة، عرض الأستاذ عبد الله النعيمي تجربة الإمارات في كيفية استغلال التواجد الكثيف للمواطنين على شبكات التواصل الاجتماعي. وأوضح أنّ كلّ جهة حكومية لديها قسم خاصّ مسؤول عن منصّات التواصلوذلك لقياس رضا الجمهور وللاستجابة السريعة لدى نشر أي شكوى واقتراح ولتقديم خدمات أفضل للناس. لافتاً إلى أنّ كلّ ذلك من خلال المعرفة الجيّدة التي يتيحها تواجد هذه الأجهزة على الشبكات الاجتماعية.
وأوضح أنّ الحكومة الإماراتية عزّزت ثقافة التواصل بين الجمهور والجهات الحكومية. وقدّم على ذلك مثالاً على صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الذي يُعتبر أوّل قائد عربي أنشأ حساباً على تويتر، وتحوّلت قنواته الاجتماعية إلى مصادر رئيسة للأخبار وجذب المتطوّعين والتواصل مع الناس.
جلسة التربية والتعليم والثقافة
الدكتور علي راشد النعيمي الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتّحدة أكّد أنّ الوصاية الكاملة في التعليم انتهت اليوم، ومن المهمّ أن نقدّم تعليماً مرِناً وفق خطّة طويلة الأمد للطفل العربي من دون تحديد خياراته أو ما عليه أن يعرفه، فهو سيتعلّم وحده من دون أيّ نظام متأطّر. ولفت إلى أنّ اﻟﻤﻨظوﻤﺔ اﻟﺘﻌﻠﯿﻤﯿﺔ تأتي ﻋﻠﻰ رأس أوﻟوﯿﺎت اﻟﺤﻛوﻤﺔ اﻻﺘّﺤﺎدﯿﺔ، وهي ﺴﻌت إﻟﻰ ﻤواءﻤﺔ اﻟﻤﻨﺎﻫﺞ واﻟﻌﻠوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﯿﺔ واﻟﺘرﺒﯿﺔ اﻟوطﻨﯿﺔ ﻤن ﺨﻼل اﻟﻤؤﺴّﺴﺎت اﻟﺘرﺒوﯿﺔ واﻟﺘﻌﻠﯿﻤﯿﺔ اﻟﻤﻌﻨﯿﺔ، ﻠتُلبّي اﻟﺤﺎﺠﺔ إﻟﻰ ﺘوﻋﯿﺔ اﻟطﻼب وﺤﻤﺎﯿﺘﻬم ﻤن اﻟوﻗوع ﻓﻲ براثن اﻟﺘطرّف واﻹرﻫﺎب، واﻟذي يُعدّ ﻤطﻠباً مُتّسقاً مع اﻟﺨطط اﻟﺘﻌﻠﯿﻤﯿﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ التي تُشكّل جزءاً من رؤية 2021.
وتحدّث الناقد السينمائي والكاتب إبراهيم العريس في كلمته عن الفرص التي أضعناها على مدى تاريخنا الحديث، واستشهد بالمفكّر الكبير هربرت ماركوزة الذي بعدما استفاض في شرح أحوال العالم، وحرّض على انتفاضات العام 1968، وجد نفسه يتّجه صوب الفنون وقضايا الفكر ليقول إنها ربما ستكون سبيل الإنسان، فرداً ومجتمعات إلى التحرّر. وأكّد أنّ طريق الوعي الإبداعي دربٌ قد يقودنا نحن العرب أخيراً للخروج من الماضي ودخول التاريخ، والدخول في ديناميّة التاريخ الذي يتضمّن دخول زمن العالم وقبول الآخر والتفاعل مع العقل المنطقي.
واستشهد الدكتور طارق خواجي أمين مكتبة مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء”، في مداخلته بكتاب “نظرية علمية في الثقافة ودراسات أخرى” لبرونيسلاف مالينوسكي، الذي اعتبر فيه أنّ هناك بديهتين تكمنان وراء أيّ نظرية علمية للثقافة، وهما، أوّلاً أن كلّ ثقافة يجب أن تُشبع الحاجات البيولوجية للإنسان مثل التغذية والتناسل والحماية من قسوة الظروف المناخية ومن الحيوانات المفترسة. وثانياً، إنّ الإنجاز الثقافي ما هو إلّا تدعيم آلي وتلقائي للفسيولوجيا البشرية، لأنّه مرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بإشباع الاحتياجات البيولوجية.
وأشار الى تأثير مشروع “إثراء” في المشهد الثقافي في السعودية، وهو يقوم على 3 محاور رئيسة هي: نشر المعرفة، ورعاية الإبداع، والتواصل الحضاري والثقافي. وأكّد أنّ شعار إثراء منذ انطلاق المشروع هو أن تكون كلّ واحدة من هذه التجارب تجربة صانعة للتحوّل، ليس للمشاركين فحسب بل ولمصمّمي البرنامج وفريق “إثرا”ء، الذي يحلم بأن تُسهم جهوده وبشكل فاعل في التحوّل لمجتمع المعرفة، الذي لا يتوقّف عند استهلاك المعرفة، بل يسعى حثيثاً لإنتاجها، لتكون ثقافتنا العربية مصدر رخاء واستقرار حيث التنمية هدف واحد يحمله الجميع على عاتقهم”.
ورأى الدكتور عبد الله السيد ولد أباه أنّ مطلب الاستقرار السياسي والاجتماعي أصبح اليوم الهدف الأسمى للفاعلين في الحقل العمومي، على اعتبار أنّ التحوّل الديمقراطي نفسه مشروطٌ ببيئة الاستقرار والأمن. ودعا إلى التمييز بين ثلاثة محاور في الحقل الثقافي: الأول يتعلّق بالقوالب الثقافية للبناء الاجتماعي ونعني بها مرتكزات هذا البناء من حيث القيم الموجّهة والأفكار المؤطّرة. والثاني يتعلّق بالصناعات الثقافية نفسها، أيّ الثقافة لا من حيث هي مضامين فحسب، وإنما أدوات ووسائل إنتاج ومُنتج مُستهلك، من منطلق الثورة الاتّصالية الهائلة التي غيّرت نوعياً شروط المادّة الثقافية ورهاناتها، وحوّلت المعرفة إلى صلب الاقتصاد الجديد وقاعدة التقنيات الجديدة. والمحور الثالث يتعلّق بالعامل الديني ذاته الذي هو أساس ومرتكز الحقل الثقافي، منبّهاً إلى أننا نشهد ظاهرتين خطِرتين متلازمتين في الساحة العربية راهناً، وهما: انحسار التقليد الإسلامي في بنياته المذهبية والعقدية والمؤسّسية من جهة، وتشتّت المرجعيات الدينية داخل النسق الاسلامي العام من جهة أخرى، بما يتجلّى بوضوح في أنماط التديّن الجديدة الشديدة الاختلاف والتمايز.
وخلص الفنّان الدكتور طلال معلّا إلى أنّ الصفعات التي تشتمل على حرارة التغيير، هي التي تجعل التفوّق هدفاً أساسياً في الانقلاب على المفاهيم، وإعادة بناء الرموز التي تتجاوز الإمكانات الطبيعية لنسيج المكان والزمان والجاذبية والمادّة لإعادة صياغة نبض الإبداع من جديد.