|  آخر تحديث أكتوبر 13, 2016 , 16:47 م

تنبؤات مراهق


بقلم: محمد مجد عبدالوهاب الشيخة – ( سوريا )

تنبؤات مراهق



لم يكُن الفتى قادراً على إدراك معالِم الوضع الجديد الذي يُحيط به ، فهو منذُ أن أيقظتهُ والدته للذهاب إلى المدرسة تسمَّر أمام شاشةِ التلفاز دون حِراك ، مُستغرقاً في متابعةِ قناةٍ إخبارية تبُث بعض الأخبار العاجلة عن مُحافظة في الجنوب تدعى (درعا) قَلّمَا سَمِع عنها إلا في بعض الدروس فقط . كان الخبرُ الأول : أعتقال بعض الأطفال من بعض قوات الأمن دون تهمة واضحة إلى الآن ، أما الثاني يتحدثُ عن خروجِ وفدٍ من أهالي المنطقة إلى مكان إحتجاز الأطفال للمطالبة بخروجهم “دون جدوى” . لم يكن لخبرين اثنين أن يفعلا بشخصٍ راشد مافعلاهُ بهذا المراهق، خلال لحظة صارَ وجههُ بارداً جداً دون أي ملامحٍ تذكر، تملكهُ شُعور بالخوف فقد أدرك أن هذا الوطن على حافةِ الضياع ، هذا الذي لم يُدركه معظمنا مُنذُ البداية.

في اليوم التالي… لم يتمكن من مشاهدةِ التلفاز حيثُ أصبح انقطاع التيار الكهربائي طقساً صباحياً أعتاد عليه الجميع. بعد أربعة أشهر من ذلك الصباح الغريب أنهى الفتى امتحانات الشهادة الأعدادية ، والآن صارَ بإمكانهِ متابعة الأخبار في أي وقت دون التقيد بمواعيد شركة الكهرباء ، ولكن مارآه من أخبار حينها لم يكُن مبشراً بشمسٍ مشرقة وإنما بسُحبٍ قاتمة تُنذر بشتاء طويل. تناول قلم وورقة وجلس يُملي على نفسهِ بعض الأسئلة ويجيب عليها. ماذا كان يعني لي الوطن قبل ذلك الصباح؟ وهل بعده صار يعني شيئاً آخر ؟ – لم يكن يعني في البداية شيئاً على الأطلاق. وبعد ذلك صار شيئاً ضعيفاً يتوجب علينا حمايته قبل أن يصبح ذلك مستيحلاً . بالنسبة له وضعٌ كهذا مربكٌ جداً، وكثير من تلك الأسئلة كان كفيلاً بِهروب النوم من عينيه في تلك الليلة ، لكنه قرر عدم الإقتراب من التلفاز مرةً أخرى، لأن هذا النوع من الأخبار يُثير في داخله شيءٌ غامض، شيء عصيٌ على مراهق مثله تحمُل عواقبه وحده. وفي تلك الليلة تحديداً ظهرت تنبؤات ذلك الصباح واضحةً، لم يكن يبدأ بقراءةِ الورد قبل النوم حتى خُيل له بأن جبهةً من جبهات الحرب العالمية استقرت في الأسفل ، في دقيقة تجمع كل أفراد العائلة في غُرفة واحدة مستلقين على الأرض ، يأكُلُ الذعر قلوبهم ، يُنصتون جميعاً إلى الأصوات الغريبة التي ستُشكل لحنَ حياتهم لسنين كثيرة قادمة . لم يكن خائفاً من ذلك أبداً فهذه بدايةُ الضياع الذي تنبئ به ذلك الصباح ، أخذ يبتسم غير مبالٍ بِصُراخ الجميع وبكائهم ، حتى صار صوته مثل صدى يتردد بعد كُل إنفجار ، قابل كُل هذا الخوف بشعورٍ متجردٍ من المسئولية ، بل ضحد كل هذا الخوف بكمٍ هائل من السُخرية ، سُخريته من هذا الضياع الذي رافقه من ذلك الصباح ، لكن نوبة الضحك تلك لم تستمر طويلاً ، هدأ الوضعُ قليلاً ، أحدهم يُطرق الباب جفل الوالد فزعاً وذهب ليرى من أتى إليهم الأن ، لكنهم كانوا يعرفون جميعاً من هو الطارق ، بعد خروج الوالد من الغرفة ، مشى الفتى إلى النافذة ، فتح عيناهُ على مصراعيها ، يحاول استجماع كافةِ التفاصيل الأخيرة مستعداً لأن يرحل ، مازال خيط ٌرفيع من الإبتسامة يطفو على شفتيه مثل زورق في مركز العاصفة، اختفى صوتُ الرصاص تحت وطأةِ ضحكته المجلجلة، ليعلو صوت ضجيج أخر في آخرِ الردهة ، هدأت الضحكة حتى تلاشت، ارتفع صُوت الرصاص حتى ذابت جميع الأصوات في موسيقا تعزفها الحرب متى تشاء.

 

بقلم: محمد مجد عبدالوهاب الشيخة – ( سوريا )


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com