عُقدت جلسات طاولة الحوار الوطني في الأشهر الأخيرة دون تحقيق أي تقدمٍ يُذكر في إطار الهدف المرجو منها وأبعاده السياسية والإنمائية والإجتماعية. لقد عوَّل اللبنانيون على أن تشكل الجلسات الأخيرة خرقًا في جدار الأزمة، فالوطن المترنح بين كرسي الرئاسة الفارغة والفساد المستشري في صفقات الحكومة المركزية بات بحاجة لحلٍ جذري يقضي على جميع محاولات تعطيل بناء الدولة. فمن أين يبدأ الحل؟
بعد الإعتراف بوضوحية المشكلة الأساسية في رأس الهرم السياسي وصعوبة حلها حتى اليوم، يبدأ الحل من خلال العمل بشكلٍ متوازي ومتوازن بهدف الوصول إلى الأبعاد الحقيقية للحوار الوطني والمتمثلة بتلك النقلة النوعية التي نبحث عنها جميعنا في الداخل. إنَّ التوازي ثم التوازن في العمل السياسي هو من سمات النجاح في الشأن العام، فالسرعة المطلوبة في التقدم سيحققها التوازي أما التوازن في العمل سيُحَقق عبر تفعيل عمل جميع اللجان المنبثقة عن طاولة الحوار والتنسيق في ما بينها بهدف الوصول إلى الأهداف المرجوة بسرعة وفعالية، مع التشديد على أهمية فك الإرتباط بين لجان الحوار الوطني المستعجل ولجان المجلس النيابي حيث تدفن القوانين في أكثر الأحيان.
يُشكل طرح اللامركزية الموسعة أحد الأساسيات التي يجب أن تتقدم على كثيرٍ من المواضيع التي تناقش بدون جدوى على طاولة الحوار، فاللامركزية الموسعة بأبعادها الحقيقية تُشكل المدخل الأوحد نحو بداية تطبيق الميثاق الوطني والهدف الحقيقي المرجو منه والمتمثل بالخروج من الدوامة الطائفية والدفع نحو الإنماء المتوازن ونشر الديمقراطية المدنية. أما في العمق فقد أظهرت التجربة على مدى ربع قرن بأنَّ قرار تعطيل تطبيق اللامركزية الموسعة متعمد من قِبَل بعض السياسيين، وأنَّ المطالبة الحثيثة ببناء الدولة هي مجرد شعار أخشى ما أخشاه بأن يستمر البعض في تناوله على طاولة الحوار وخارجها بهدف التعتيم على الوصول إلى صيغة لتطبيق اللامركزية الموسعة وإعادتها إلى اللجان النيابية كما حدث مؤخرًا، فالإجتماع الأول للجان المشتركة بعد ثلاثية الحوار لم يكتمل نصابه، أما الإجتماع الثاني فقد أفضى إلى تشكيل لجنة فرعية منبثقة عن اللجان النيابية المشتركة ليس أكثر.
إنَّ التمادي بإهدار حقوق الشعب اللبناني بهذه الطريقة مرفوض حتمًا، فاللجان النيابية قبل العام ٢٠٠٥ عقدت سبعة عشر إجتماع دون أي جدوى، كما أنها عقدت إجتماعات بعد العام ٢٠٠٥ بدون أي نتيجة تُذكر وبكيدية سياسية بعد العام ٢٠٠٥ من خلال إستثناء بعض الإقتراحات المهمة في هذا الإطار، الأمر الذي يُعتبر بمثابة حرب على اللامركزية الموسعة في لبنان من قِبَل بعض الأفرقاء في الطبقة السياسية.
اليوم، تُشكل اللامركزية الموسعة المنعطف الأهم في رسم الخريطة المستقبلية للوطن المترنح بين المتناقضات، والخشية الكبرى التي تراودني هي إستمرار البعض بدفن اللامركزية في اللجان النيابية ومتفرعاتها تحت عناوين لم تساهم ببناء بلدة، فكيف لها بأن تبني وطن!