يتلقى حملة الأسهم الصينية أنباء متضاربة، فبينما أعلنت الحكومة الصينية ضخ حزمة مالية ضخمة قدرها 10 تريليونات يوان (1.4 تريليون دولار)، لمعالجة ديون الحكومات المحلية.
إلا أن هذه الخطوة مثلها مثل إجراءات تحفيزية سابقة، لم تلقَ ترحيباً واسعاً، بل حدث تراجع لمؤشر «سي إس آي 300» لأسهم شنغهاي وشنتشن، وكذلك اليوان، عقب هذه الأنباء.
وتشكل الديون المعدومة مشكلة كبيرة للصين، فالحكومات المحلية غير المخولة بإصدار سنداتها الخاصة لجأت إلى آليات تمويل مماثلة لتلك التي تستخدمها شركات الاستثمار لاقتراض الأموال.
ومع انهيار أسواق العقارات لم تعد العديد من المقاطعات قادرة على اللجوء لبيع الأراضي لسداد تلك القروض، ما أدى إلى تراكم ديون «خفية» ليست مسجلة في ميزانيتها العمومية الرسمية.
وقد تسهم مبادلة الديون في الحد من المخاطر المالية، وتحرر قدرات الحكومات المحلية على الإنفاق، لكن يبقى حجم الحزمة المعلن عنها صغيراً نسبياً، ويرى تيانلي هوانغ من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي أن تأثير هذه الحزمة على الاقتصاد سيكون محدوداً.
فبحسب تقديرات وزير المالية الصينية، لان فو آن، ستكون هناك وفورات للحكومات المحلية بنحو 600 مليار يوان (83 مليار دولار) من مدفوعات الفائدة على مدار خمس سنوات، ما يعني مبلغاً بحدود 120 مليار يوان (17 مليار دولار) سنوياً.
وهو مبلغ ضئيل جداً، ولن يحدث فارقاً ملموساً. ويقدر الإنفاق الفعلي للحكومات المحلية حتى الآن بنحو 3 تريليونات يوان (417 مليار دولار)، وهو أقل مما تم تخصيصه في الميزانية هذا العام.
وعموماً لن يكون مبلغ 10 تريليونات يوان كافياً لإحداث أثر دائم في معالجة مشكلة الديون الخفية، ففي حين صرح وزير المالية بأن حجم هذه الديون يبلغ نحو 14.3 تريليون يوان (تريليوني دولار).
إلا أن تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى رقم أكبر بكثير يصل إلى 60 تريليون يوان، وفقاً لتقرير صدر العام الماضي. علاوة على ذلك لا يمثل مبلغ الـ 10 تريليونات يوان تعهداً جديداً بالكامل.
حيث سيتم إصدار 6 تريليونات يوان من الديون الجديدة، عبر سندات حكومية منخفضة الفائدة، لصالح تسهيلات مقايضة الديون، بينما تمثل الـ 4 تريليونات يوان المتبقية ديوناً يمكن للحكومات المحلية استغلالها في أغراض ذات صلة.
وتظل احتمالات تحقيق الاقتصاد لمستهدف النمو، الذي حددته الحكومة عند 5 % لهذا العام منخفضة، في ظل غياب مزيد من التحفيزات الأكبر، لكن قد يكون هناك المزيد من التحفيزات، فقد حددت وزارة المالية في اجتماع عقدته في أكتوبر أربعة أهداف من التحفيزات.
وكان حل مشكلة الديون المحلية الخفية أولها، ثم يليه تعزيز الإنفاق المصرفي، ثم إعادة الاستقرار إلى سوق العقارات، ودعم المستهلكين. وفي حين أننا لسنا على يقين من استمرار العمل بالترتيب المعلن.
لكن تصريحات وزير المالية تشير إلى أن الحكومة ستحقق الأهداف الثلاثة الأخرى.ويشير توقيت الإعلان عن الحزمة فور انتهاء الانتخابات الأمريكية إلى أن الحكومة الصينية كانت تنتظر معرفة من سيفوز بسباق البيت الأبيض قبل إعلان التزامات مالية قوية.
ويثير حجم الحزمة احتمالية أن تدخر الحكومة قوتها المالية للاستجابة لسياسات إدارة دونالد ترامب إزاء الصين، لذا قد تعلن البلاد حزمة مالية أكثر تحديداً وأكبر حجماً عما قريب.
من ناحية أخرى وفي أعقاب انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية قفزت أسهم المصارف الإقليمية بصورة حادة. وارتفع مؤشر «كيه بي دبليو ريجونال بنك إندكس»، الذي شهد أداء سيئاً طيلة أعوام، بنسبة 12 % مقارنة باليوم السابق للانتخابات، فهل هذا منطقي؟
والأسباب التي تدعو إلى التفاؤل بشأن البنوك في ظل الإدارة الجديدة بالبيت الأبيض عديدة، فمن شأن تخفيف القيود التنظيمية أن يساعد قليلاً، وإن كانت قواعد «بازل 3» الخاصة برأس المال قد تم تخفيفها بالفعل.
كما يرجح أن الحد الأقصى على رسوم بطاقات الائتمان المتأخرة، الذي فرضه مكتب حماية المستهلك المالي، ويمر حالياً بمرحلة من الغموض القانوني سيختفي، وهو ما يمكن أن يساعد البنوك المصدرة.
ويبدو أن المستثمرين في البنوك لم يصدقوا قط وعد ترامب نفسه بوضع حد أقصى لأسعار الفائدة على البطاقات عند «حوالى 10 %».
وسيكون تخفيف القيود التنظيمية المتعلقة بصفقات الاندماج عاملاً إيجابياً للمصارف الكبرى، التي تقدم استشارات حول عمليات الدمج، لكن الأمر قد يكون داعماً أيضاً للمصارف الإقليمية.
فالاندماج بين المصارف متوسطة الحجم أمر منطقي من الناحية الاقتصادية في صناعة يهيمن عليها عدد قليل من المصارف الكبيرة، لكن من غير الواضح، على الأقل بالنسبة لنا، ما إذا كانت قواعد الاندماج هي العائق الأبرز أمام هذه العمليات.
ومن وجهة نظر أخرى تكمن المشكلة في إمكانية إقناع الفرق التي تدير عمليات الاستحواذ بالتخلي عن وظائفهم المرموقة ذات الرواتب الجيدة، وهذا ما جعل اندماج «بي تي آند تي» و«صن تراست» في عام 2019، الذي أسفر عن إنشاء «ترويست»، رائعاً للغاية.
والأكثر أهمية من ذلك هو تأثير ترامب على أسعار الفائدة، فإن كنت تعتقد أن وجود ترامب على رأس الإدارة يعد مرادفاً لزيادة العجز، وانخفاض الضرائب، وارتفاع النمو.
فذلك كله يعني أن الاحتياطي الفيدرالي سيبقي على الفائدة قصيرة الأجل عند مستويات مرتفعة نسبياً، وارتفاع الفائدة قصيرة الأجل، وإن لم تكن عند مستويات شديدة الارتفاع، يعتبر مفيداً للمصارف.
ويجب علينا تذكر أن التحولات الضئيلة للغاية في هوامش الفائدة تشكل فرقاً كبيراً في صافي دخل المصارف، وبينما تتمتع كثير من المصارف بمصادر دخل أخرى ليست حساسة للفائدة فإن هوامش الفائدة تبقى مهمة بدرجة كبيرة بالنسبة للمصارف الإقليمية.
في الوقت نفسه ما زالت المقولة المتكررة بأن المصارف تقترض بآجال قصيرة وتمنح قروضاً طويلة الأجل قائمة. ويوحي ذلك بأن هوامش المصارف تكون أفضل حالاً عندما يكون منحنى العوائد منحدراً.
وقد يكون هذا صحيحاً بالنسبة لمصرف لديه كم كبير من السندات طويلة الأجل أو أصول رهن عقاري في ميزانيته العمومية، لكن في الأعوام الخمسة الماضية كانت الأوضاع في القطاع معاكسة لهذه المقولة.
والأمر الغريب هو أن هناك اختلافاً بين الواقع المالي وتصور السوق، فقد أشار أحد محللي المصارف من ذوي الخبرة الطويلة إلى أنه في حين لا يشكل منحنى العائد أهمية كبيرة على وجه الخصوص لأرباح المصارف الإقليمية.
لكن شراء أسهم هذه المصارف عند انحدار المنحنى بمثابة «حركة تداولات لا تتطلب الكثير من التفكير». وسواء كان الأمر مهماً للأرباح أم لا، لكن أسهم المصارف ترتفع عند انحدار المنحنى، والعلاقة بين هذين العاملين ليست واضحة في تفاصيلها، لكن يتضح أن التحركات الكبيرة في المنحنى يكون لها تأثير على أسهم المصارف.
إذن، فالسؤال المهم بالنسبة لأسهم المصارف هو ما إن كان المنحنى سيواصل انحداره أم لا، لأنه هذا يعني توقف المكاسب الناشئة إن لم يواصل المنحنى الانحدار.
ويجادل كثير من خبراء الاقتصاد بأن سياسات ترامب تضخمية في جوهرها، لكن إن صح ذلك، فسيضطر الفيدرالي إلى تطويع سياسته للتصدي لها، وقد يظل المنحنى مسطحاً، لكن من المعروف عن سياسات ترامب أنها كثيراً ما تفاجئ الجميع.