افتتح الدكتور أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية، مؤتمر “المثقفون والثقافة.. آفاق جديدة”، اليوم الثلاثاء، والذي يمتد على مدار يومين، بحضور عدد من المثقفين والمفكرين وكبار المسئولين، وقدمه الدكتور سامح فوزي، كبير باحثين مكتبة الإسكندرية.
ألقى الدكتور أحمد زايد كلمة تحت عنوان “مكتبة الإسكندرية آفاق المستقبل”، معبرًا عن سعادته بهذا اليوم الذي كان يمثل حلمًا منذ تولية مهمة إدارة مكتبة الإسكندرية بأن يكون هناك مؤتمر للثقافة والمثقفين في مصر، وكانت البداية بهذا الحدث الهام، قائلاً : “أسعد لحظات حياتي أن أكون متحدثًا بين المثقفين”.
وتحدث “زايد” عن رؤيته حول الثقافة بشكل عام، بداية من كيف تعرف الثقافة، والحق في الثقافة والذي لا يتحدث عنه الكثيرين على الرغم من أنه أصبح مفهوم عالمي مثل حقوق المواطنة والتعليم والصحة، وكذلك الحق في المعرفة فبدونها لا يوجد ثقافة، وأي شخص في المجتمع له الحق في المعرفة وخاصة من يعمل في مجال الثقافة والإبداع.
وأوضح “زايد” ما تلعبه الثقافة من دور في بناء الأمة، فهي الملاط “الأسمنت” الذي يحافظ على هوية الأمة وتماسكها، والاهتمام بها هو اهتمام أصيل وجوهري عند بناء أمة، ولا يتحقق ذلك إلا بتنمية القدرة الإبداعية والتي بدورها تتأسس على قاعدة فكرية يحفظها التعليم، متابعًا “لا ثقافة دون تعليم، لأنه عندما يصبح العقل فارغ تخترقه الأفكار المتطرفة”.
وأكد “زايد” على ضرورة ألا تستخدم الثقافة من أجل الوصاية خاصة ممن يعتنقون ايدلوجية واحدة، كما أنها يجب أن تكون مستقلة، فالبعض يعتقد أنها أداة من أدوات الدولة وهذا اعتقاد خاطئ، الدولة تدعمها وفقط، وهذا الاستقلال يعمل على دفع الإبداع والتجدد الفكري والانبعاث الوجودي والوجداني والعقلي والثقافي، وهو الأساس لبناء الأمم.
وأشار “زايد” إلى أن السياسات الثقافية لابد وأن تجد بيئات تمكين، والتي تشمل إرادة سياسية ومجتمع مدني وقطاع خاص، كما أنه لا يجب أن تسعى الثقافة إلى الربح، وعندما تتدخل الرأسمالية وثقافة السوق تفقد قيمتها، وأخيرًا ألا تتحول العلاقة بين صناع الفكر والإبداع إلى صراع واستبعاد، ليكون هناك ثقافة راقية تمكن المجتمع من تكوين عقله.
وحول رؤيته لمكتبة الإسكندرية، قال “زايد” إن نطاق عمل المكتبة مدينة الإسكندرية، فهي أيقونة التعددية ودور المكتبة التقاء الحاضر بالماضي، والنطاق الثاني مصر حاضنة الحضارات ودور المكتبة سيكون تقديم نموذج إنساني مصري للعالم، أما النطاق الثالث الإقليم العربي فهو الظهير الثقافي ولذلك تسعى المكتبة للتعاون الثقافي العربي، وأخيرًا النطاق العالمي حيث تسعى المكتبة لتصدير فكرة أن الثقافة مصدر للسلام والتنمية المستدامة.
وأضاف: “ألمس من الاحتكاك بالسفراء الأجانب معرفة كبيرة بالمكتبة عكس بعض المصريين الذين يكونون معرفة مشوشة عنها وأخرين ليس لديهم فكرة عنها، ولذلك نحن في حاجة أن تكون حاضرة بقوة”، مشيرًا إلى أن المكتبة تحتاج إلى إعادة هيكلة لإرساء مبادئ الشفافية والمهنية ووجود أعضاء ذوي كفاءة عالية، كما يتم العمل على إنشاء لجنة استشارية عليا تهدف إلى طرح الأفكار والمبادرات.
ولفت “زايد” إلى أن المكتبة بدأت في هذه الفعاليات بحوارات الإسكندرية المشترك الإنساني العالمي، والذي يهدف إلى تشكيل تمازج ثقافي بين مصر وشعوب العالم في مختلف القارات، ومبادرة أيام وثقافات والذي شهد استضافة القنصلية باليوم السعودي، واستضافة ١٥ سفارة من أمريكا اللاتينية.
وقال “زايد” إن هناك عدة مبادرات يتم التفكير في تنفيذها من بينها المسابقة القومية للقراءة، ومنتديات الثقافة للسينما والشعر والمسرح والدراما، كما بدأ مشروع تطوير شبكة التواصل الفكري والثقافي من خلال إصدار نشرة بصورة دورية تتضمن فعاليات المكتبة.
وشدد “زايد” على بدء خطوات تنفيذ فكرة “مكتبة التراث الإنساني للنشئ والشباب” لتلخيص التراث الانساني في كتيبات صغيرة وبأسعار مقبولة، والذي يستغرق تنفيذه ما بين ٣ إلى ٤ سنوات، لانتاج ما يقرب من ٢٠٠٠ كتاب مختصر.
ومن جانبه؛ أكد الدكتور سامح فوزي، إن المؤتمر يأتي في لحظة تحول محليًا وإقليميًا ودوليًا مما يستوجب النظر في قضايا الثقافة والمثقفين، والنظر إلى ما ينتجونه من توصيات وأفكار مما يوفر التفاعل الجيلي بين الأجيال المختلفة، والبحث عن آفاق جديدة بين الثقافة والمثقفين.
وأضاف “فوزي” إن المؤتمر جاء ضمن استراتيجية مصر للتنمية المستدامة رؤية مصر 2030 فيما يتعلق بالثقافة، ويظل البحث عن أفاق جديدة فيما يتعلق بالثقافة والمثقفين، كما يأتي في أجواء الاحتفال بمرور عشرون عامًا على إحياء مكتبة الإسكندرية وفي ظل قيادة جديدة.
وعقدت جلسة بعنوان “الثقافة.. رؤية للمستقبل”، أدار الجلسة الدكتور صابر عرب، وزير الثقافة الأسبق، وتحدث خلالها الدكتور عبد المنعم سعيد، المفكر السياسي وعضو مجلس الشيوخ، والدكتور حسن طلب، شاعر، وجيهان زكي، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، والدكتور حنا جريس، نائب رئيس حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والدكتور يوسف القعيد، الكاتب والروائي، والدكتور منير عتيبة، المشرف على مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية، وسلوى بكر، كاتبة وروائية، والدكتورة نهلة إمام، أستاذة في أكاديمية الفنون، والدكتور هشام عزمي، أمين المجلس الأعلى للثقافة.
أكد الدكتور صابر عرب، إن الثقافة من أولويات النهضة في الفترة المقبلة، وعندما تصبح الثقافة في مرتبة متأخرة من أولويات مجتمع ما تصبح عنده أزمة، ولا يمكن أن نفصل الثقافة عن التعليم، لما لهم تأثير بالغ على الجانبين الوطني والإنساني، مضيفًا أن اللغة أيضًا حصن للهوية الوطنية، والتي أصبحت في مرتبة متأخرة في الفترة الأخيرة، مشيرًا إلى أن الثقافة ليست شعر وأدب ولكن هي نمط حياة، وأن يكون الإنسان إنسانًا بالمعنى الإيجابي.
وشدد “عرب” إنه لاتزال المنافذ بين الثقافة والتعليم مغلقة، ومشيرًا إلى أن المكتبة تنير حياة المصريين والعالم أجمع، متمنيًا أن تظل المكتبة منارة مضيئة في العالم كله.
فيما تحدث الدكتور عبد المنعم سعيد، المفكر السياسي وعضو مجلس الشيوخ، إن التغيير في العالم يجري بسرعة الضوء، والأمور المعقدة أصبحت أكثر بساطة وكلما باتت أكثر بساطة أصبحت أكثر وضوحًا، والبساطة والتبسيط كان دائمًا من أسرار تقدم الدول الكبرى، مضيفًا أنه اكتشف فارقًا كبيرًا بين التقدم والتخلف حيث الأول ينحي إلى التبسيط أما الثاني فيميل إلى التعقيد.
وأكد “سعيد” إن عام 2022 هو العام الذي فشلت فيه كل نظريات العلاقات الدولية في تفسير ما يحدث فضلًا عن التنبؤ بما يلي، حيث لم تنجح نظرية توزان القوى العسكري والاقتصادي في منع الحرب الأوكرانية، ولا نجحت نظرية الاعتماد المتبادل في الإدارة والطاقة والغذاء والتكنولوجيا التي تجعل في الحرب ضررًا لجميع الأطراف بإزالة الأزمة في أولها ومنع الحرب، وكل المؤشرات للعام الجديد تشير إلى استمرار الحرب كما أنها تدخل إلى نطاقات أكثر خطورة.
وحول الإقليم العربي؛ أوضح “سعيد” إن الإصلاح حتمي وجذريًا لأنه لم يكن ممكنًا أن يبقى الحال كما هو عليه، وعام 2015 شهد الكثير من التطورات في المنطقة لايزال بعضها عاكسًا انهيارات ما بعد الثورات، ولكن بعضها الأخر ولد إصلاحات قائمة على مفهوم الدولة الوطنية ذات الحدود المقدسة والهوية التاريخية لموطنيها.
ورأى الدكتور حسن طلب؛ إن النظر إلى الثقافة من زاوية اللغة ليس على إطلاقها وإنما هي وسيلة وغاية، ومن الخطأ الاعتقاد أنها مجرد وعاء لاستخدامها في التعاملات فقط، لأن المتضرر من هذه النظرة الضيقة هو المستوى الثقافي، فهي تهيئ الوعي لاستقبال ما تشير إليه هذه الغاية.
وأوضح “طلب” إنه عند استخدام اللغة كغاية يرتفع بها الوعي والوجدان، ساردًا استخدام الشعراء قديمًا للجن على انه منبع الشعر حتى تطورت اللغة في وجدان كبار المبدعين وأصبحت أداة يعتمد عليها كغاية.
من جانبها؛ قالت جيهان زكي، “نحن في حاجة لإدراك أهمية اللغة العربية نظرًا لأن النشئ الجديد أصبح يعاني من عوار بسبب تدريس اللغة العربية في مدارس دولية، واللغة أداة من أدوات الهوية المصرية، فهي ليست مجرد كلمة وإنما تحمل في طياتها حضارة وثقافة وطريقة تفكير”.
وشددت “زكي” إن الألفية الثالثة تشهد تصارع في خطى السياسات الدولية، والقوة الثقافية أصبحت تضاهي القوى العسكرية والسياسية، والسؤال الآن أصبح كيفية استخدام هذه القوة الناعمة بدعم من ظهير امني وسياسي، وعلى مصر أن تدرك موقعها التاريخي والجغرافي وزخيرتها التراثية.
وتحدث الدكتور حنا جريس؛ عن أهمية الكلمة التي تعد أساس في بناء المعرفة، وهي ثقافة للتواصل ووسيلة لمعرفة جيل أو شعب، ومع طباعتها تصبح إبداع شائع، ولكن اليوم دخل العالم في مرحلة التحول الكبير بأن أصبحت المعرفة مصدرها صورة، وخاصة الصورة المتحركة والتي تتحول منها المعرفة إلى عدم يقين.
وطرح “جريس” حلولاً لحل هذه المشكلة منها رقمنة الثقافة المصرية بشكل علمي دقيق، وإنشاء المنصات العلمية التعليمية، لمواكبة المعرفة التي انتشرت بشكل كبير جدًا بكل أنواع اللغات والصور.
بينما يرى الدكتور يوسف القعيد؛ إن قضية الأمية كانت ولازالت تلقى بظلالها على الثقافة المصري، معتقدًا أن أعداد الأميين تتزايد رغم كل محاولات القضاء عليها، وهي الخطر الحقيقي على مصر، مشيرًا إلى عدة أزمات تؤثر على الثقافة من بينها أسعار الكتب المرتفعة وخاصة كتب دور النشر الخاصة.
وعبر “القعيد” عن انزعاجه من تراجع الإنتاج السينمائي وإغلاق العديد من دور العرض والمسارح، فأصبح اليوم هناك مأزق حقيقي في وصول الثقافة للقارئ والمستهلك العربي، كما تراجع الدور الثقافي المصري في المنطقة العربية، بعد أن كان حلم كل مثقف عربي أن يأتي إلى مصر ويقابل مبدعيها.
وحول تجربة مختبر السرديات؛ أوضح الدكتور منير عتيبة، إن المكتبة أنشأت المختبر بهدف التواصل مع المجتمع، وخلال 13 عامًا على إنشاؤه يسعى لتحقيق استراتيجية المكتبة، وتم تنظيم 50 فاعلية بحضور 400 مبدع من دول عربية ودولية و11 مدينة مصرية.
وقالت سلوى بكر؛ إن إشكاليات الثقافة في مصر منذ عهد محمد على الكبير، ومازالت مستمرة لعدم تجذر الحداثة في المجتمع المصري، واليوم يوجد تحديث ولكن لا يوجد حداثة، وهو ما يطرح تساؤلات حول دور المثقف، والتي ترى أنها تتلخص في انتاج أفكار حداثية لخلق مجتمع معاصر يعيش اللحظة الحالية التي يعيشها العالم والتخلص من الماضوية التي تطغى على أفكار المجتمع.
فيما شددت الدكتورة نهلة إمام؛ على أهمية نقل الثقافة إلى دوائر أوسع، خاصة وأن مصر وقعت على العديد من الاتفاقيات للحفاظ على التراث الثقافي غير المادي، مضيفة إلى أنه لن ترتفع الثقافة إلا بنظرة واعية تجاه التراث، مشيرة إلى عدد من المبادرات مثل إنشاء أرشيف ثقافي مصري غير مادي، ومبادرة صنايعية مصر لتوثيق الحرف الرائعة المنشرة في كل قرى مصر وتتوارثها الأجيال.
وفي الختام؛ أكد الدكتور هشام عزمي، إن هذا البلد يستند إلى تاريخ طويل وأساس عريق وسرد هذا التاريخ يحتاج إلى وقت طويل، مشددًا على أنه من الظلم أن نقارن بين فترة كانت بها مصر اللاعب الوحيد في الساحة الثقافية، وبين الفترة الحالية التي تشهد مشاركات مشروعة لدول إقليمية.
وأضاف “عزمي” إن الشريحة الأكبر من متلقى الثقافة في مصر هم الشباب بنسبة 60%، والذين تغيرت نظرتهم وتعاطيهم مع الثقافة ولذلك لابد من مواكبتهم، مشيرًا إلى أن خط واستراتيجيات الثقافة موجودة ولكن المطلوب الآن تمكينها وتنفيذها.