يقول دوستويفسكي “لا أدري ماذا يحدث لي في كل لحظة أغمض عيني فأرى أن كل شيء تافه كل شيء تافه” تراه لو وجد اليوم بماذا كان سيصف تفاهتنا ، سيكتفي بما قاله ؟ أم أنه يعتزل كل شيء و يجلس ليراقبنا مسرور أشد السرور و هو يرى شخوص أشد اضطراباً و تعقيداً من شخوصه.
في مجتمعاتنا من حق كل شخص النأي بنفسه عن التفاهات ، بأن يعتزل الناس محافظاً على ماتبقى له من رصانة و قليل من عقل أو يبقى ليسلم أمره و يخوض مع الخائضين ، بعض الأشخاص ممن أبدعوا في سبيل التفاهة، في البداية يحاولون إقصاء أفكارك و مسح شامل لشخصك ، تصبح بنظرهم إناء فارغ قادر على استيعاب كل ما يتفوهون به من تفاهة و تفاصيل مملة ثم يقيدوك بسلاسل تافهة لا حدود لها. أنت أنت مابك لماذا لا تحلق لحيتك ؟ لماذا تطيل شعرك ؟ مسرور أنت بما ترتديه حقاً ؟ أتدري سنذهب اليوم إلى كذا و غداً إلى كذا ، سنذهب إلى الحفلة سوياً . مباشرة يجعلونك جزء من ممتلكاتهم ، يتصرفون بك على هذا الأساس ليصل بهم الحال أن يظنوا رأسك خالياً من الأفكار و يحتاج إلى التلقيم بأفكارهم فقط . يجب عليك ياصديقي العزيز أن تضبط أوقاتك و مواعيدك كما يحلو لهم ، أن تفرغ مشاعرك و أفكارك ، ميولك ، أوقات فراغك و انشغالك في كيس قمامة صغير و أحتفظ بآخر أكبر منه فقد تحتاجه على كل حال كي يتسع لتفاهته. يالسخافة ما اتفوه به ، لكن سؤال بسيط ياصديقي هل أثبت العلماء في الفترة الأخيرة أو ظهرت أي دراسة تثبت أن شعر الشخص أو لحيته إن طال قليلاً يقوم بسحب أوكسجين المجتمع المحيط و يؤثر على جهازه التنفسي .
غالبيتنا يرفض العيش في قوالب وضعت مسبقاً ، قوالب يعيش فيها المقربين قالب ضيق للصداقة و أكثر منه ضيقاً في العمل ، المهمة المستحيلة في القرن الواحد و العشرين هي المحافظة على نفسك قبل كل شيء . قبل محاربة الدكتاتوريات العتيقة الراسخة علينا محاربة الدكتاتوريات الشخصية النامية في العقول قبل وصولها إلى المناصب ، أن نكف عن فرض أرائنا و أفكارنا ، علينا التخلص من القوالب ، وإجهاض تلك الأفكار قبل تكونها . نواة الثورة تكون بثورة على النفس ، أن يثور كل منا على نفسه يقومها يصححها كي تكون هذه الأنفس مجتمعة قادرة على حمل لواء التغيير الشامل . من باب التسلية يؤلف أحد ما كتاب يسميه كيف تصنع دكتاتور بثلاثة أيام دون معلم ، لا يذكر فيه ألية معينة كل ماعليك فعله أن تستمر بالأنحناء لا أكثر .
بقلم: محمد مجد الشيخة – (سوريا)