|  آخر تحديث ديسمبر 25, 2017 , 17:28 م

البندقية بوابة الشرق


البندقية بوابة الشرق



بقلم: خالد عزب – مصر

 

صدرت حديثًا الترجمة العربية لكتاب “البندقية بوابة الشرق” الكتاب من تأليف ماريا بيا بيداني، وهي أستاذة في جامعة كافو سكارى الإيطالية، ومتخصصة في تاريخ الدولة العثمانية، وترجمة الدكتور حسين محمود وهو أستاذ مصري مرموق ومتخصص في الثقافة الإيطالية، صدر الكتاب عن مشروع كلمة للترجمة في أبو ظبي.
الكتاب تعود أهميته إلى كونه يقدم الآخر في تاريخنا خلال العصور الوسطى، وهذا الآخر تجاهلناه كثيرًا، وبالتالي جاءت رؤيتنا له ناقصة، مثلت البندقية عبر التاريخ شريك تجاري لمصر وبلاد الشام وتونس والمغرب وتركيا خلال حقبة الدولة العثمانية، شريك تحدى تحريم الإمبراطور البيزنطي التعامل التجاري مع المسلمين، ثم تحريم البابا التعامل التجاري خاصة مع دولة المماليك، كانت البندقية أول مدينة أوربية تكون ثروات طائلة من التجارة مع جنوب وشرق المتوسط.
ماريا بيداني في الكتاب تروي بدقة عبر السجلات والمصادر أن المسلمين خلال العصر العباسي هددوا سواحل البحر الأدرياتيكي بقوة، لكن البندقية فجأة في عام 1000 م تعزز نفوذها على حساب المسلمين والسلافيين في هذا البحر، ليرسل دوق البندقية بعد ذلك بعثات دبلوماسية إلى بلاد الشام وشمال إفريقية، ومنذ ذلك الحين ظلت سفن البندقية تجتاز طرق البحر الأبيض المتوسط، مما جعلها جسرًا للتواصل بين أولئك الذين يعيشون على ضفافه، فمن البحر الأدرياتيكي إلى الشرق ومن هناك إلى شمال أفريقيا، كانت المراكب والطوافات لا تقتصر فيها الرحلات على نقل السلع المخصصة للتجارة فحسب، وإنما كانت تنقل البشر أيضًا، هؤلاء البشر كانوا تجار مسلمين ومسيحيين، لثقة هؤلاء في البحارة البنادقة ومهارتهم ولأن حكام البندقية ضمنوا الأمان للمسافرين عكس المدن الأخرى التي كانت تبيع المسافرين أحيانًا كعبيد، المؤلفة لفتت انتباهنا إلى دور البندقية وجنوة في تجارة العبيد دوليا في العصور الوسطى، خاصة من القرن وبلاد الشركس وجورجيا وبيعهم للماليك في مصر، هذا ما كون ثروة طائلة لهذه المدن الإيطالية.

 

هنا تبرز المؤلفة رأي الكنيسة آنذاك في تجارة العبيد، حيث ساد اعتقاد في إيطاليا بأن بيع الكفار وشراءهم بحرية أمر مشروع، على اعتبار أن الدين وليست الطبيعة الإنسانية هي التي تميز الإنسان عن الحيوان، فبعض علماء اللاهوت، مثل أسقف القرن الخامس عشر أنطونيو الفلورنسي، والذي تم ترسيمه قديسًا بعد ذلك، أقروا بأن الرق مباح أيضاً إلى الكفار الذين وقعوا في الأسر، وإن هم اعتنقوا بعد ذلك المسيحية، كان هؤلاء العبيد هم بعد ذلك جنود وأمراء وسلاطين في دولة المماليك التي اعتمدت وقامت عليهم، من هنا نرى أن البندقية كانت أهم مورد بشر إلى مصر.
لعبت سفن البندقية دورًا هامًا في مقل الحجاج المسيحيين إلى الأرض المقدسة مصر وبلاد الشام، ولذا فإن مصداقية بحارة البندقية جعلت الإقبال على سفنهم كبير ممن يرغبون في الحج إلى القدس، ولذا ازدهرت الفنادق في البندقية لإيواء الحجاج الذاهبين أو العائدين، وأول فندق تم بناؤه لهذا الغرض كان في عام 936 ويقال في 969م، على يد شيرازي دي بولي، ثم انتشرت الفنادق في المدينة بصورة كبيرة.

 

ماريا بيداني تذكر في كتابها أن الرحلة على ظهر سفن البندقية كانت شاقة، حيث كانت مساحة السفينة تنقسم بين البضائع والأشخاص، ولم تكن هذه الرحلة تجربة ممتعة، فالناس متراصون إلى جوار بعضهم بعضا، والسفن مليئة بالحشرات والفئران، وحصص الطعام لم تكن تزيد على قطعة خبز مع بعض الماء والملح والبرد والحر والرائحة الآسنة، هنا تبرز المؤلفة أهمية الدوقيات الذهبية البندقية التي فرضت نفسها كعملة تبادل تجاري دولي بين شمال وجنوب المتوسط.
كانت كل السفن التي تمخر عباب المتوسط تحتفظ على متنها باحتياطي كاف من الأقواس والسهام والرماح، ليتم تسليمها إلى البحارة والركاب وقت الخطر، كما أشارت المؤلفة إلى معرفة البنادقة الجيدة للغة العربية.
الكتاب الذي بين يدينا يزخر بمعلومات مهمة، لكن الأهم أن نستكمل ترجمة مصادر ومراجع إيطالية حتى تكتمل لدينا رواية تاريخنا في العصور الوسطى.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com