|  آخر تحديث أكتوبر 29, 2017 , 3:22 ص

#رنا_مروان | تكتب: “لا تعتذر لنفسك؛ فأنتَ لستَ السبب!!”


#رنا_مروان | تكتب: “لا تعتذر لنفسك؛ فأنتَ لستَ السبب!!”



منذ أسبوعين نشرتُ مقالتي المتواضِعة (( أعتذرُ صديقي، أنت لست السبب!! )) وقد لاقت من المعظم والحمد لله استقبالاً يدعوا للغبطة، وإن كان هذا الأمرْ ينمُّ عن شيء ما، فهوَ يعني أن كلمات المقالة قد لامست جوارح المعظم من قُرّاء حروفي المتأصلة من قلبي إلى قلوبِهم وقلوبكم أجمعين، بارك الله فيكم وفيهم وزادني برقّتكم ولطفكم أُلفةً وقوّة، إضافةً إلى موائمة موضوع المقالة للعديد من المواقف الشخصيّة التي تتكرر في حياة الكثيرين منّا دون القدرة على التعبير عنها أو وصفها، إلى أن تبقى حبيسة الروح والفؤادِ كسُمٍّ يستنزفهما مع مرور الوقت!!
من الجيّد جداً أن يعترفَ الإنسانُ لمحيطه ِ الجميل من الناس اللطيفين بأنّ تغيّر أحوالهِ ليسوا هم السبب فيه؛ إنمّا حروبٌ داخليه خاضوها بمفردهم فكانت السبب في استنزاف قدراتهم وقوّتهم، إنّ ذلك يساعد الروح على التخلّص من ذلك السُّم المؤلم كما يساعدها على أخذ المتسّع الكامل من الوقت للعلاج منه دونَ أن يكون هنالك ضغطٌ من البيئة الخارجية عليها، لحرصها إلى جانب معاناتها وعلاجها عدمَ كسر خواطر الكثيرين ممن كانوا ليسوا السبب في كلِّ ذلك الألم والمعاناة.
أمّا اليومْ وبعد التفكير المليّ في ذلك الأمر، قررتُ إصدارَ مقالةٍ مُكمِّلة لسابقتها بعنوان (( لا تعتذر لنفسك؛ فأنتَ لست السبب!! )) هذه المقالة سأوجهها لكلِّ أولئك اللذين كانوا السبب الحقيقي في معاناةِ روحِ كلِّ واحدٍ منّا، وذلك لكي لا نظلمَ محيطنا الجميل من الناس الظرفاء، فإنّ لاولئك السيئين أيضاً نصيباً لا بأسَ به من معاناة أرواحنا في كثير من الأحيان، نصيباً يدعونا للوقوف أمام أنفسنا والنظر إليها في المرآة والإعتذارِ لها عمّا بدرَ منّا من سوءٍ لتقدير العلاقاتِ في حياتنا، وكميّة الأشخاص الخطأ اللذين أدخلناهم إلى يوميّاتنا الرقيقة بجوانبهم المؤلمة واللالطيفةِ أبداً!! أنا اليوم سأقولُ لكلِّ نفسٍ عانت من مرارة الغير أن تقف أمام المرآة من جديد وأن تخاطب نفسها قائلةً (( لا تعتذر لنفسك، فأنتَ لست السبب!! ))
خلق الله سبحانه وتعالى سيدنا آدم من طين ونفخ فيه من روحه سبحانه وتعالى وأسكنه الجنّة بلّغنا الله إياها أجمعين إلى جانب سيدتنا حوّاء التي خلقها من ضلعهِ جلَّ وعلا، إلى أن عصى آدمَ ربَّهُ بإغواءٍ من الشيطان الرجيم وأكلا من تلكَ الشجرة التي كانت تذكرة نزولهما من الجنّة إلى الأرض، ونتيجةً للتزاوج الذي تمّ بينهما كان لهما من الأولاد ما نعرفه وما نجهله ولكنّ الذي نعرفه تمام العلِمْ أنّ قابيل وهابيل كانوا من اولئك الأبناء الذين أراد الله بقصّتهما أن يكونا عبرةً لنا أجمعين. كانت سيّدتنا حوّاء تنجب التوائم من الأبناء، كانَ لقابيل أختٌ ولهابيلَ أيضاً وهما توائم مختلفة وكانَ من أمر ِ الله فيهم أن يتزوّجَ قابيل أخت هابيل، وهابيل أختَ قابيل وذلك لعمارة الأرضِ ولعدم إنقطاع السلالة البشريّة، كانت أختُ قابيل أجمل من أخت هابيل، وعلى ذلك فإنّ هابيل سيتزوّج الأخت الأجمل!! لم يُعجب ذلك قابيل، فقد أراد الأخت الأجمل لنفسه، فدّبت في نفسه الغيرُة والحقد من هابيل فقتَله!! ولسوء قصور الإنسان وعجزِهِ فلم يعلم قابيل ما يفعله بهابيل ولم يكن ليفقه ماهية الدفن فتركه في العراء؛ فأرسلَ الله سبحانه وتعالى غرابين أخوين يقتتلان، فقتل أحدهما الآخر فحفرَ له ثمّ حثى عليه أي دفنَهُ، فدبّت الويلى في نفس قابيل وقال (( يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ )) صدق الله العظيم.
وهذه القصّة بالمجمل العام وللتفصيلِ رواياتٌ أخرى فيها من بيان إعجاز القراءن الكريم ما يسلبُ الألباب من شدّة الروعة.
والمُستفاد هُنا من هذه القصّة وما أردتهُ بروايتها هوَ الإخبارُ عن فكرةِ الحقدِ،اللؤمِ والغيرة!! فقد كانت هذه المشاعر الجشعة أوّل المشاعر السيئة التي دبّت في نفوس العالمين منذ بداية الخلق وما زالت مستمرّة في نفوس الكثيرِين منّا حتى هذا اليوم. الغيرة، اللؤم والحقد مشاعرُ مكتسبةٌ منذ أوّل الخلق وهيَ غريزةٌ بالفطرَة!! ولكنّ الله لم يفطر نفوسنا عليها لإمتثالها وجعلها تسيطر علينا فهي من عمل الشيطان، إن الله أوجدها فينا لنتعلّم كيفية التخلّص منها وجعلها تطاوع نوايانا الحسنَة دون أن تجعلَ منّا أناساً مطيعين لها!! إلا أنّ الكثيرينَ منّا من لم يستملكوا قوّة الإيمان الكافية ليتخلصّوا من سوء ما تسببه سيطرة تلك المشاعر على النفس، الروح والجسد على حدٍّ سواء يُحاوطوننا محاوطَةَ حقد قابيلَ لأخيه هابيل!!
وهُنا تأتِ فكرةُ لا تعتذر لنفسك؛ فأنت لست السبب!!
إنّ هابيل لم يكن لهُ ذنبٌ في أنّ الله تعالى شاء له بأن يتزوّج الأخت الأجمل وقبِلَ قُربانه، ولم يكن لهُ ذنبٌ في خِلقَة أخته ولا في وجوده، فكلها أمورٌ من تدابير الله عزّ وجلّ امتحن سوئهم وخيرهم بها، فلا تعتذر لنفسك إذ منحكَ الله ما لم يستملكه غيرك فاغتار منكَ عليه وشائه لنفسه، فجرّب كل السبل لآخذهِ منك ولم يُفلح!!
عزيزي، أنتَ لستَ السبب!!
إذ حاوطكَ من هم أشباه قابيلَ وأرادوا قتلك، الناس أصحاب النفوس السيئة المحيطة بك ليس لك أدنى ذنبٌ في وجودهم في حياتك؛ فما أنتَ إلا شجرةٌ مثمرَة يلتفّونَ حولكَ بنقصانِهم عنك وسوء إثمارِهم لسوء نواياهم وحقدِهم فيما يكنّونه لك ولغيرك!! فكيفَ لسوء النيّة بأن تُثمرَ بالله عليك؟! المهم هو أن لا تسمحَ لهم بقتلكَ وذلك بدوام حُسنِ خُلْقِكَ ونواياك، وتركهم يتمرّدون على الخلِق بسوء ما عندهم وإحتسابهم عند ربّهم فما أهلك الله من قبلهم إلا الفاسدين (( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )) وامتثل لأمر ربّك و (( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ))
عزيزي، أنتَ أقوى بنفسك!!
اولئك الفاشلينَ ما وضعهم الله بطريقك إلا لتساعِدهم بحسن ما عندك، فإن أبوا وابتدأوو سحْبَكَ إلى جحورِ فشلهم فما عليك إلا ترك أيديهم والتخلّص منهم فالله أولى بهم وبذلك السوء في نفوسهم، وأنتَ أولى بأخذ العبرَةِ مما عايشتهُ وإيّاهم.
عزيزي، سُبحان من سوّاكَ مُختلفاً في حُسنكَ عنهم!!
أنا أعلم، أعلم جيّداً معنى الأذيّة من أصحاب القلوب السوداء، أعلمُ جيّداً ما هوَ شعورك واولئك السيئين يحاوطونَك ببؤسهم!! أعلمُ جيّداً ماهية الألم الذي يأتي من الطعنة التي تأتي من الخلف بلا موعدٍ مُسبق من أناسٍ منافقين ابتسموا لك في وجهك وغرسوا ذلك السهم في ظهركَ ليخترقَ بقوّته نبضَ قلبك، ولكنّ هذا السهم هوَ الشيء الوحيد الذي يملكونه في حوزتهم فلا تعتذر لنفسك؛ فأنتَ لست السبب في ذلك أبداً، أنتَ لم تخلْق ذلك السهم ولا أنت الذي قمتَ بجعله أهمَّ ممتلكات حياتهم!! صديقي، أعلمُ جيّداً بما يُراودك من أسى وقهرٍ وأنتَ برجاحة عقلك تحاول مقاومة الجهل الذي أتلفَ عقولهم فجعلَهم في أكثر المواقف جديةً يستهزئون بكَ وبكلامك الموزون المتماسك الذي يخطف الألباب لقوّته وجماله!! فلا تعتذر لنفسك صديقي عن ذلك الأمر؛ فأنتَ لست السبب بما يملكونه من هشاشة في عقولهم وفكِرهم، ومن ركاكة وسوء في تعبيرهم!!
صديقي، الله خلقك لتكون أنت الشجرة المثمرَة؛ فلا تعتذر لنفسك عن ذلك، فأنتَ لست السبب في جفاف تربتهم ولا في إنقطاع مطر التوفيق من الله عنهم، فاللهُ لهم وعليهم مدبّر أمرهم (( وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ))
عزيزي، لا تحزن!!
فاولئك السيئين ليسوا بالشيء الكثير في حياتك، أنا كمثِلك؛ تلقيّتُ سهماً بل وأسهُماً من أمثالهم من وراء ظهري، ونهرني القوّي بضعفه منهم ووجه لي كلماتٍ قاسية، ونعتوني بالأنانية وتكلّموا عنّي   بالسوء كمثله في قلوبهم وملامحهم، ووجهوا لي كلماتٍ قاسية انفطرَ على إثرها قلبي، وصمتُّ  ولم أُجبهم وأعرضتُ عنهم وعن جهلهم، وبكيتُ بين يدي الله وأمي ولله اشتكيتهم في صلاتي واحتسبتُهم أهلَ ظلمٍ عند الله!! كانوا يضحكون عليّ إذ مررتُ من أمامهم، وكانوا وما زالوا وسيبقون لأنهم سوءٌ على سوءٍ يتهامسون ويتقهقهون بينَ أنفسهم على ما منحني الله إيّاه من قوّةٍ لإظهار الحقِّ  وعلى ما يملكونه في صدورهم من نفاقٍ وقدرةٍ على إلصاق أنفسهم بأصحاب المصالح والكلمة الدنيوية العليا، ولكنّهم لم ولم يعلموا بأن لله الكلمة العليا علينا وعليهم أجمع، وبأنّ الله سيغرسُ تلك الكلمة في طريقِ حياتهم ليتعثّروا بها مدى الحياة إذ لم يتوبوا لهُ سُبحانه ويسألوه غفران الذنوب والتجاوز عن سوئهم الذي أحاطوا به قلوب العباد وعن ذلك الظلم الذي دمّروا بهِ قلوبَ وبيوتَ آخرين كُثر.
عزيزي، الله لهم؛ فلا عليكَ ولا تحزن!!
منافقونَ هُم؛ يُكذِّبونَ بما يُحدِّثون، ويخلفون بما يعِدون ويخونون ما اؤتمِنوا عليه. مرآءون كاذبون فيما يقولون!! والمُضحك أنّ منهم منافقٌ عليهم؛ فيتقاول معهم بما أرادوا لإرضائهم وينقلُ عنهم بما يُريد لإرضاء آخرين!! ضلالٌ هم فكيفَ بنصرَة بعضهم بعضاً، فلا تحزنَ عليكَ واحزن عليهم على سوء حالِهم ومنقلَبِهم!!
عزيزي، تخلّص منهم، وإن كانوا في زمنٍ ما لكَ رُفقاء!!
انتشلهم من حياتك واقذف بهم، كما تنتشلُ الماء من جوف البئر لتقذف به على الأرض وإن كان تشبيههم بالماء النقيّ ليس بالسواء؛ إلا أنّ فكرة الإنتشال والتخلص منهم من حقّهم لا محالة فما هم إلا بضعُ غُرباء!! لا تحزن عليهم، ولا تراودك نفسك باسترجاعهم؛ من يهُنْ عليه حُزنك اليوم، سيهونُ عليه غداً أو بعد غدٍ وإلى آخر العمر حتى يستنفذوا جمال روحك منك ويستخلصوه من محيّاك إلى آخر قطرة!! الفاشلون لا يسأمون من نشر ميكروبات الفشل في أرجاء محيطهم فابتعد عنهم وألقِ السلام عليهم تحيّة لله فقط!! وإن صافحتهم بقلبك وعفوتَ عنهم في داخلك فهذا أمرك بينك وبين يدي ربّك، وهذا الأمر مجدداً من حُسن ما عندك، فلا يستعطفكَ قلبكَ عليهم فتصافحهم بودّك وهم منك مكيدون، واجعل لنفسك سبيلاً مختلفاً لا يتقاطع مع سُبلهم وكن بربّك أقوى منهم وكفى بالله للحقِّ  وليّاً ونصيرا.
وإلى كلِّ أولئك السيئين، فلتحزنوا!!
سينتزع الله ما انتزعتموه من قلوب غيركم وسيأخذهُ منكم بمثل ذلك الألم الذي سببتموه لهم مُضاعفاً!! لن تفنى حياتكم ما لم تذوقوا من ظلمكم لغيركم من ظلم الله ظلمات أشد!! لن تدورَ الدنيا لتذيقكم المُرَّ بأنفسكم فقط!! ستعايشون مرارة الفقدان في أرواحٍ تخشون عليها من الضياع، في أهلكم، أقربائكم وأصدقائكم!! ستلجأون إلى الله ليخفف عنكم، ولكن كيف بذلك وهناك في جوف الليل أمهّاتٌ يدعون عليكم بالفناء ويسألون الله الإنتقام منكم؟!
أنتَ إن استهزئت من زميلك بالعمل، ألم تفكّر بأن الله قادرٌ على أن يستخرجك من عملك ليبقى هوَ؟! أنتِ من استنكرتِ شيئاً ما بزميلتك في المقعد، ألم يخطر لكِ بأنّ الله قادرٌ على انتزاع ما منحك إيّاه وإعطاءه إيّاها؟! أنتم من شتمتم وقذفتم في أعراض العالمين، ألم تعلموا بأن أمرَ الله عليكم بالهوان ليس منكِم ببعيد؟! أنتم من تظلمون، ألم تعلموا بأنّ هناك للمظلومين ربّاً يستجيب دعائهم، فهو بقدرته عليكم قادرٌ على خسفكم وإعلائهم؟! فإلى متى أنتم بسؤوكم في أرض الله ماضون وفي ظلماتٍ لا حصر لها في نهاية الأمر ستهلكون؟!
عجيبٌ أمركم!!
ألا تخافون الله؟! ألا يُحزنكم فقدان توفيقه لكم؟! ألم يسؤوكم بعدُ سواد قلوبكم؟! إلى متى ستتكلمون على أناسٍ بريؤون من بؤس كلامكم عنهم كبراءة الذئب من قتل يوسف عليه السلام؟! الله سينتقم للضعفاء منكم، من أجسادكم، من قلوبكم، من أحبابكم إن كان لكم أحباب!! من أولادكم وزوجاتكم!! ويوم القيامة ستنالون من الجزاء الضعف بما صنعته أيديكم، فتوبوا إلى الله، وكفّوا عم تجاوز حرمات الله، أمر الخلق للخالق وحده!! من أنتم لتحاسبوا، لتقرروا، لتقدّروا الأمور كما تشاءون وتحسبون؟! من أنتم، بقصوركم، بجهلكم، بضعفكم حتّى   تتعالوا على الله في أمِر خلقه؟! بماذا تحتمون؟! بمن تتمسكون؟! أيُّ جانبٍ قويٍّ في حياتكم إلى تستندون؟! إلى أموال الله استنزفتموها من خزائن الخلق؟! أم إلى جمالٍ لم يكن لكم في خِلقته أي يد؟! أم إلى مجموعة ظالمين أمثالكم؟! كلكم فانون!! أنتم، أموالكم، جمال ملامحكم، ومن استندتم عليهم من الظالمين أمثالكم!! سيأسلكم الله يوم القيامة ويقول لكم ((وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ )) وستجيبونه سبحانه (( رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا ۖ تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ ۖ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ )) أينَ أنتم من فحوى هذه الآيات ونفحاتها ؟! أينَ أنتم من قول الله تعالى (( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ )) أينَ أنتم من ” فُرادى ” وأنتم بجماعاتكم الظالمة تتمسكّون؟! فوالله لا يعترْف بعضكم ببعضٍ بين يدي الله، ولا يعرْف بعضكم بعضا فاسعوا إلى الله ليطّهر سوء قلوبكم فإنا والله وإياكم ذاهبون، يوم الحقِّ  مجتمعون وإنكم لحقوق الغير رادّون وما ذلك على الله بعزيز.
عزيزي، الشخص اللطيف الجميل!!
سُبحان من جعل أولئك الأقرباء في عيونك غرباء، سبحان من انتشل حبّهم من قلبك ليصفى له سبحانه وحده الحبَّ  المُطلق في قلبك!! أنا أعلم بأنّ حدّة الكسر في نفسك قد كانت مؤلمةً، لحظة أن نفخوا سمّهم في وجهك، ورموا بكلامهم كالجمر يشتعل بلهيبه في قلبك، وآذوك بسوء ما عندهم بحسن ما عندك!! بعدَ أن أحببتهم حباً جمّا، ونثرت لهم الرقّة في طريهم ودّا وقُربا، يوم اعتبرتهم أجمل الناس في حياتك، يومَ حدّثت عنهم الله في صلاتك وسألته قربهم على الدوام  لأنّ فيه خيراً لك، فها هوَ سبحانه استجاب لك وهوَ أعلم بهم وبسوئهم منك وأبعدهم من حياتك فما كانوا ليكونوا فيها على حقيقتهم إلا شرّا!!
أنا أعلم بأنّك قد حدّثت أمّك عنهم، وأخبرتها بمقدار حبّهم لك وحبّك لهم وبأنهم نعمة الله لك في حياتك، وأعلم أيضاً بأنها قالت لك حينذاك ” طالما فيهم من الخير لك يا بني فليحفظهم الله لك ” بل إنني على يقين بأنّك تحدّثت عنهم في جوفك مع نفسك وشعرتَ بالغبطة تسري في عروقك كلّما تذكّرتهم وسرتْ حتّى.  فائت عن إبتسامة ٍ رسمتها على وجهك مرّاتٍ عديدة دون أن يعرف أحدٌ ما السبب!! وها هم لم يكن لك فيهم من الخير إلا بضعٌ مستنزف فأخرجهم الله من حياتك ولم يحفظهم لك!!
أعلمُ بأنّك قد حدّثت عنهم الغرباء حتّى. ، ممن تواجدوا معك في مكان العمل ربمّا أو الدراسة، ممن جلسوا إلى جانبك في الحافلة، ممن قدِموا اليك لتساعدهم على حلّ مشاكلهم مع أمثالهم فاستحضرتهم في حديثك كمثالٍ جميل عن أناسٍ صالحين تتمنى من الله أن يرزق غيرك بأمثالهم!!
أنتَ الآن تشعرُ بالفقدان والضياع، وفي قلبك حسرةٌ على كلّ موقف كان منهم، على كلّ ذلك الوقت الذي كان معهم، وعلى كل تلك الضحكات البائسة التي كانت بسببهم!!
أنت الآن لا تحبُّ  أن ينطق أحدٌ ما بحروف أسمائهم وتتفادى رؤية علامات الجروح التي سببوها لك في أوقاتك وإياهم، أنتَ الآنَ تقف أمام نفسك في المرآة في اليوم ألف مرّة عندما تستجمع قواك طبعاً سائلاً نفسك: لماذا؟! لماذا يا أنت قد اخترتهم من بين الملايين لنفسك؟! لماذا قد اتخذّتهم أخلّاء لروحك وقلت عنهم أصدقاء؟! لماذا؟! ألم تجد لنفسك من هم أولى منهم؟! تبكي وتمسح دموعك، تبكي وتمسح دموعك إلى أن يحترق الألم في قلبك فتتداعى كمرآةٍ قد كُسِرت فتهشّمت وتناثرت أشلائها في الأرجاء إلى ألف قطعةٍ وقطعة!! أعلم تلك المرارة جيّداً، وأعلم ماهية الرجوع طواعيةً إلى قول عليٍّ عليٍّ بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليه ” أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما و أبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما ”  عشتها بمرارةٍ هذه المشاعر كمثلك، وإذ بالسوء يا عزيزي في فطرة الخلق لا فرار منها، أحببتُ كمثلك وأرفقت إلى من أحببت أجمل الكلمات والدعوات ولطالما استقبلتهم بالودِّ واحتضنتهم بدفىء قلبي ونقاء روحي!! أحببتهم كمثلك وخدعوني بمكرهم كما خدعك أمثالهم، ولكنني استغنيتُ عنهم ومن حياتي قد انتشلتهم، حتّى.  لأني قبلَ مدة من الزمان قد قابلتهم فألقيتُ التحيّة عليهم لله فقط فاحتضنوني بمكرٍ فلّما لم يكن في حضني لهم مودّة، نظروا إليّ وقد اغتمّت وجوههم باكتشافي لحقيقة مكرهم ونفاقهم، فوّلوا بوجوههم متلعثمين في وداعهم، مدبرين عنّي.  وعن حُسن قلبي، فلمّا أدبروا وتوّلوا، فكأنّ الله قد فتح في طريقي دروباً من النور لم تبصر عيناي بمثل روعتها قط!! أهتدي بها في ظلمات الحياة مُكتشفاً بها نور وجوه المنافقين حولي، ذلك النور الزائف الزائل، الخافت في لمعانه وشدّته عن نور الحقِّ  الآتي من الله، ومنذ ذلك اليوم الذي أخرج الله حبّهم من قلبي وأنا إذ رأيتهم اسودّت وجوههم وما دأبوا عن استرجاعي إلى جانبهم في حياتهم عند كلّ منفعة، ولكن هيهات هيهات!! أن يعودَ الزجاج المهمّش في القلب للإلتئام والثبّات!! فسبحانه الرحمن من أظهر لنا حقيقة بؤسهم!! سبحانه من لا يرضى لعباده الهوان على يدي العِباد!!
فكيف بإخبارهم أنّ شيئاً ما في دواخلنا عائدٌ لهم قد تهمّش وصار في لائحة النكِرات؟! كيف لنا بأن نخبرهم بأنّ لهم في قلوبنا شيءٌ واحدٌ عائد لهم، وهوَ جرحٌ صغيرٌ سيلتئم مع الزمان، لا ليعود كما كان!! وإنمّا ليبقى أثره حيّاً منطفئاً في دواخلنا حتّى.  نعتبِرَ به على الدوام، حتى نقابلهم به أمام الله !!
عزيزي، أنتَ القوي بالله على الدوام، ومن جديد إنمّا يرمونك بحجارة مكرهم لينعانِك وجفائهم، لحسنٍ منك وإن لمْ يقدروا إلا على مواجهة الحياة بسؤوهم، فلا تعتذر لنفسك لسوءٍ منهم قد آذاكَ جداً؛ فأنت من جديد وإلى الأبد لستَ السبب!! لست السبب!!
الصورة من تصوير ( تسنيم الوعل – الأردن )

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com