|  آخر تحديث سبتمبر 7, 2017 , 23:16 م

مسلمو روهينغا.. اختبار الإنسانية العالمي


مسلمو روهينغا.. اختبار الإنسانية العالمي



كثيرة هي الخطابات المكتوبة بلغة بليغة تنادي بالإنسانية، وتؤكد أننا في العالم أبناء عائلة واحدة يجمعنا مصير واحد، ولا يمكن للبشرية أن تحقق نهضتها المعرفية ورقيها الحضاري من دون الإيمان بهذه الحقيقية، إلا أن القليل من هذه الخطابات يتجسد على أرض الواقع بجهود، ومواثيق، وخطط عمل تواجه الاضطهاد، وتقف إلى جانب المهجرين واللاجئين، وتساعد المحتاجين في مختلف بلدان العالم.
 
اليوم يضعنا مسلمو روهينغا أمام اختبار حقيقي لحجم إيماننا بكل هذه المنطلقات والركائز التي توافقت عليها كبرى بلدان العالم، وباتت أعرافاً دولية، فما يشهدوه من اضطهاد وقتل وتهجير يتجاوز لغة الحوار الإنساني، وينحاز عن السلام، ليتخذ من العداء والتعصب لغةً للقتل والتعذيب، تقف فيها الأكثرية موقف السلطة من الأقلية وتفرض شروطها وقوانينها بالسكاكين والبنادق.
 
أكثر من 120 ألف من مسلمي روهينغا يتركون قتلاهم وبيوتهم وأطفالهم هرباً  من الظلم والقهر، ولا يسعفهم خيار اللجوء للنجاة بحياتهم، فبعد أن باتوا أمام خياري الموت أو الهجرة، لم يعد أمامهم سوى الموت في بلدانهم أو الموت على حدود البلدان التي يهربون إليها.
 
يحتم علينا هذا الواقع أن نتكاتف أفراداً ومؤسسات، ومنظمات وبلدان، لنوقف نزيف إخوتنا في الإنسانية وفي الإسلام، فنحن مؤمنون أننا أبناء عائلة واحدة كبيرة في هذا العالم، وما يصيب أحد أعضائنا تتداعى له سائر الأعضاء، وتتعاون لتكون إلى جانبه.
 
يتحول صراخ الأطفال والجرحى المهجرين على حدود ميانمار إلى نداء إنسانية عالٍ، يدفعنا للعمل بأسرع ما يمكن لإنقاذ آلاف الأسر، فكلنا اليوم مطالبون بالوقوف إلى جانب العائلات المهجرة بالمساعدات المعنوية والمادية، بما يكفل لهم حياة كريمة حتى يفض النزاع، وتهدم فكرة الأكثرية وعلاقتها بالأقلية.
 
إن ما يجري على أراضي ميانمار لا يتعلق بمنظمات حقوق الإنسان، والمنظمات العاملة على مساعدة اللاجئين ومتضرري الكوارث الطبيعية وغيرها، وإنما يتعدى ذلك ليشكّل أولوية لدى كل بلدان العالم، وقاداتها، فما يجري لمسلمو روهنيغا كارثة إنسانية سيوثق التاريخ الإنساني موقفنا منها، ولن يكون لها انعكاس على ميانمار وما يجاورها بقدر ما سيكون لها أثر على المستوى الدولي، سواء كان ذلك في حماية الأقليات في العالم، أو ردة فعل المسلمين، وما يمكن توظيفه من أفكار لتعزيز العصبية والعنف والقتل في مختلف بلدان العالم.
 
لذلك لا يمكن الحديث عن حلول ممكنة لما يجري من دون الوقوف قبل أي إجراء إلى جانب المهجرين واللاجئين ودعمهم، ومن ثم العمل بصورة فعلية للضغط على حكومة ميانمار للتكفل بحماية الأقلية المسلمة على أراضيها، ووقف حالة الصراع بفرض قوانين ناظمة وضابطة، تضمن مفهوم التعايش واحترام الاختلاف.
 
إن ما ينبغي الالتفات له فيما يشهده مسلمو روهينغا أنه تجسيد لواحدة من أبشع صور التعصب في العالم، وأنه اختبار حقيقي لدور العاملين في حقوق الإنسان وحماية اللاجئين دولياً، إضافة إلى أنه واحد من الأحداث التي يمكن لها أن تتطور وتأخذ أشكالاً جديدة يحصد العالم آثارها يوماً تلو آخر، فلنكن عائلة واحدة في مواجهة التعصب والقتل والتهجير، ولنكن أخوة مخلصين لإنسانيتنا، مدركين لنعمة الخير والمحبة والسلام.
 
ومن موقعي كمناصرة بارزة للأطفال اللاجئين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أدعو قادة العالم أجمع للالتزام بواجبهم الإنساني تجاه أقليات مسلمي الروهينغا، ومناصرة قضاياهم كجماعات تعاني من الاضطهاد والتهجير، ينبغي الوقوف إلى جانبهم ومنحهم حقهم في الحياة بسلام وأمان.
 
 
 
جواهر بنت محمد القاسمي
رئيسة مؤسسة القلب الكبير، المناصرة البارزة للأطفال اللاجئين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين
 
 

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com