فاجأ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الوطن العربي بتتويج خمسة صناع أمل بلقب “صانع الأمل الأول”، مؤكداً بأنهم كلهم أوائل وكلهم يستحقون اللقب، وما يقدمونه من أجل خير الإنسانية يجعلهم جميعاً منارات للعطاء يهتدي الناس بها. وقدم سموه مكافأة مالية بقيمة مليون درهم إماراتي لكل منهم، لتبلغ قيمة جائزة “صناع الأمل” خمسة ملايين درهم إماراتي، لتكون جائزة العطاء الأغلى من نوعها في العالم.
جاء ذلك في الحفل الذي أقيم في مدينة دبي للاستوديوهات لتكريم صناع الأمل وتتويج الفائز الأول على مستوى الوطن العربي من بين أكثر من 65 ألف صانع أمل تقدموا للمشاركة في مبادرة “صناع الأمل”، المبادرة الأكبر من نوعها عربياً لتكريم أصحاب العطاء في الوطن العربي.
وأعرب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن سعادته بالنجاح الكبير الذي حققته مبادرة “صناع الأمل” وتفاعل الناس معها، مؤكداً سموه بأن “صناع الأمل نجحت في أن تظهر أجمل وأنبل ما في عالمنا العربي وهي قوة الأمل الموجودة لدى شبابنا”، مضيفاً بأنه “رغم استشراء اليأس في منطقتنا إلا أن مبادرة “صناع الأمل” أكدت لنا أن عالمنا العربي بخير وأن رجاله ونساءه مجبولون على فعل العطاء”.
وقال سموه: “لا توجد قوة في الحياة تغير المجتمعات نحو الأفضل أكبر من وقوة الأمل”، حريصاً على التأكيد: “نريد أن نصنع أملاً جديداً لملايين الشباب العرب بأن لهم دوراً حقيقياً في خدمة مجتمعاتهم”.
وأضاف: “نحن لا يمكن أن نحيا ونرتقي إلا بالأمل.. وإذا فرّطنا بالأمل نكون قد فرطنا بالمستقبل وبأي فرصة لنا لاستعادة مجد أمتنا العربية”، مشيراً إلى أن “صناعة الأمل يجب أن تتحول إلى مقاربة مجتمعية شاملة على صعيد عالمنا العربي، خاصة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا”.
ولفت صاحب السمو بالقول: “لدينا نجوم ونماذج للشباب في الكثير من المجالات الرياضية والفنية.. وحان الوقت لنصنع نجوماً ونماذج من جنود الخير الذين وهبوا حياتهم لخدمة الفقراء والمحتاجين والمنكوبين”.
وشدد سموه على أهمية المبادرة في تسليط الضوء على تجارب لافتة تظهر قيمة العمل الفردي الإيجابي الذي يعود بالنفع على المجتمع المحلي ويمتد تأثيره ليشمل أكبر عدد من الناس، وقال: “صناع الأمل هم الأبطال الحقيقيون، وهم النماذج الملهمة لملايين الشباب في الوطن العربي الذين يحتاجون إلى الأمل كي يحققوا طموحاتهم”، وأضاف: “إن الهدف من صناع الأمل تحويل الفرد العربي من شخص ينتظر الحظ أو الصدفة في حياته إلى شخص إيجابي ومبادر”.
وأكد صاحب السمو أن “مبادرة صناع الأمل هي امتداد لعام الخير الذي تشهده دولة الإمارات، وهي رسالة تشجيع وعرفان من بلاد زايد الخير لجميع من كرس حياته من أجل الخير في وطننا العربي”.
وختم سموه: “لا يوجد أمل صغير أو كبير.. كل أمل يترك أثراً إيجابياً هو فعل عظيم”.
وقد توَّج صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم صناع الأمل الخمسة وسط حضور أكثر من 2500 شخص، من بينهم وزراء ومسؤولون وإعلاميون وفنانون وشخصيات مشهود لها بالعمل الإنساني والخيري وصناع أمل من مختلف أقطار الوطن العربي، في أجواء حماسية، لم تخلُ من عاطفة جياشة، حيث شارك كل من الجمهور ولجنة التحكيم في اختيار الفائز، الذي أُعلن عنه في ختام الحفل.
وكان الجمهور ولجنة التحكيم قد استعرضوا المشاريع والمبادرات الإنسانية للمرشحين الخمسة من صناع الأمل الذين بلغوا النهائيات، وهم المغربية نوال الصوفي، المقيمة في إيطاليا، التي كرست نفسها لإنقاذ اللاجئين الفارين إلى أوربا عبر قوارب الموت، حيث ساهمت في إنقاذ أكثر من 200 ألف لاجئ، وهشام الذهبي، من العراق الذي تبنى قضية أطفال الشوارع في العراق فآواهم في بيت خصصه لرعايتهم، مقدما لهم الرعاية النفسية والصحية والتربوية والتعليمية، ومعالي العسعوسي، من الكويت، التي هاجرت إلى اليمن قبل عشر سنوات لتنفذ العديد من المبادرات الإنسانية هناك، و ماجدة جبران، أو ماما ماجي من مصر، التي كرست نفسها لخدمة فقراء مصر، و”الخوذ البيضاء”، منظمة الدفاع المدني السوري، الذين يعملون لإنقاذ ضحايا القصف في سوريا.
وبعد اختيار نوال الصوفي، حسب تصويت كل من الجمهور في القاعة وأعضاء لجنة التحكيم، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تكريم المرشحين الخمسة، بمنح كل صناع الأمل الخمسة مكافأة بقيمة مليون درهم لكل منهم، دعماً من سموه لمشاريع المرشحين ومبادراتهم ومساعيهم كي يكون العالم أجمل وأفضل.
وتم استقبال صناع الأمل الخمسة الذين بلغوا التصفيات النهائية لمواجهة الجمهور ولجنة التحكيم للمرة الأخيرة قبل التصويت على المرشح الذي يستحق لقب صانع الأمل الأول في الوطن العربي. وحاور الإعلامي أحمد الشقيري المرشحين الخمسة، ضمن لجنة التحكيم التي ضمت إلى جانب الشقيري معالي نورة الكعبي، وزيرة دولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي رئيس مجلس إدارة أبوظبي للإعلام، وعلي جابر مدير عام مجموعة “إم بي سي” وعميد كلية محمد بن راشد للإعلام.
هذا وكانت الترشيحات للقب صانع الأمل قد خضعت لتصفيات عدة، مرت خلالها عبر لجان تحكيم فرعية ضمن آلية تقييم اعتمدت معايير خاصة، أهمها أصالة المبادرة وحجم ما يستثمره فيها صاحبها من جهد واهتمام، وحجم التأثير الذي تملكه المبادرة على الأطراف المعنية أو المستفيدة، ومدى تفاعل المجتمع المحلي معها، وإمكانية تطويرها وتوسيع نطاق الاستفادة منها. وبلغت التصفيات النهائية عشرون قصة، تمثل مختلف أطياف الأمل العربي، حيث تمت دعوة أصحابها إلى دبي في إبريل الماضي لمناقشتهم والتعرف على تجاربهم ومبادراتهم بصورة أكبر، قبل أن تختار لجنة التحكيم المرشحين الخمسة الذين بلغوا التصفيات النهائية.
وتم عرض قصص المرشحين الخمسة، قبل التصويت لهم، من خلال فيديوهات مؤثرة تلخص تجاربهم وبذار الأمل التي غرسوها في مجتمعاتهم، حيث استدرّت حكاياتهم لحظات عاطفية مؤثرة، تفاعل معها عدد كبير من الجمهور بالبكاء، وقد مستهم المعاناة والألم والفرح بالأمل الذي يسعى صناع الأمل إلى تحقيقه.
وفي ما يلي نظرة إلى صناع الأمل الخمسة الذين بلغوا التصفيات النهائية، وتم تتويجهم جميعاً صناعاً للأمل في الوطن العربي، من خلال مبادرات وحكايات التي يجمعها قاسم مشترك: قوة الأمل التي لا تُهزم.
نوال الصوفي
حبل نجاة اللاجئين
تقيم نوال الصوفي في إيطاليا، التي هاجرت إليها مع أسرتها من المغرب قبل سنوات. ورغم انخراطها في العمل الإنساني والمجتمعي منذ طفولتها، متشرِّبةً العطاء من والدها الذي كانت ترافقه لتقديم المساعدة للمهاجرين الجدد إلى أوروبا ومساعدتهم على التأقلم، إلا أن ما تقوم به اليوم بات عصب حياتها وحياة الآلاف ممن يعتمدون عليها، بعدما أصبحت حبل نجاة لآلاف اللاجئين الذين يركبون قوارب الموت لا يحملون معهم سوى الأمل ورقم موبايل نوال.. “الحقينا يا نوال”.. “نحن في عرض البحر “.. “المركب لا تستطيع حملنا”.. هذه بعض نداءات الاستغاثة اليومية التي تنهال على هاتف نوال النقّال، فقد بات رقمها صلة الوصل شبه الوحيدة بين اللاجئين الذين يتقاذفهم موج البحر وبين خفر السواحل الإيطالي، فتتواصل مع المستغيثين وتحاول أن تحدد مواقعهم قبل أن ترسل المعلومات اللازمة لخفر السواحل للتحرك باتجاه قوارب اللاجئين.
وكانت الأزمات في المنطقة العربية قد تسببت في فورة هائلة في أعداد النازحين واللاجئين من سوريا والعراق وشمال أفريقيا على متن قوارب الموت التي تشق البحر الأبيض المتوسط بثقل، ليتحول البحر إلى قبر عريض لا يكاد يمتلئ بالموتى حتى يفتح جوفه للمزيد، الأمر الذي جعل حياة نوال كلها تتمحور حول هؤلاء اللاجئين وكيفية التدخل لإنقاذهم من الموج الذي لا يرحم. وقد ساهمت نوال في إنقاذ أكثر من 200 ألف لاجئ، كما ساعدت الآلاف على التكيف مع واقع حياتهم الجديد من خلال تقديم كل أشكال المساندة لهم. بالنسبة لنوال، فإن البحر بما يلقيه من بشر يائسين يومياً بات عنوانها، وهاتفها هو حبل الإنقاذ الذي تمده لهم.
يوم تنجح نوال في إرشاد خفر السواحل الإيطالي إلى مكان سفينة تغص باللاجئين الذين تُركوا للمجهول، فتنقذهم في الوقت المناسب، تشعر بفرح غامر؛ ويوم يقذف الموج المقتنيات المتواضعة لأولئك ممن لم يرأف بهم البحر فابتلعهم وابتلع آمالهم، فإن قلبها يغص بالحسرات.
لكن نوال تعرف أن الأمل لا يموت، فلا تزال تقف عند الشاطئ في انتظار حياة تبحث عن أمل. ونوال خير من يصنع الأمل.
هشام الذهبي
صاحب القلب الذهبي
تشكل تجربة هشام الذهبي من العراق نموذجاً لاحتضان الأمل وتنشئته في سنوات التكوين الأولى، أي في فترة الطفولة، فصناعة الأمل في الصغر وتعهده بالرعاية والسقاية يثمر عطاء وإبداعاً في الكبر، هذه هي الفلسفة التي تبناها هشام، يوم قرر أن يفتح بيته وقلبه لأطفال الشوارع في العراق، ليثبت للعالم أن هؤلاء الأطفال ضحايا وليس جناة. كان ذلك في العام 2004، حيث بادر هشام إلى إيواء الأطفال المشردين داخل بيت خصصه لرعايتهم. ولم يكتف بتقديم الرعاية النفسية والصحية والتربوية والتعليمية للأطفال، الذين أغدق عليهم حنان الأب، بل عمل على تطوير برنامج علاج نفسي لهم من خلال تنمية مواهبهم وتحفيز قدراتهم الإبداعية.
وكبر الحلم واتسع الأمل فأسس الذهبي، بدعم من بعض المتبرعين، “البيت العراقي للإبداع” لهؤلاء الأطفال، حيث تخرج منه 150 طفلاً مبدعاً وفناناً، وحاز خريجوه على أكثر من 50 جائزة عراقية و28 جائزة عالمية.
اليوم يؤوي هشام في بيته العراقي الدافئ 33 طفلاً، يطعمهم ويعلِّمهم ويروي لهم حكايات ما قبل النوم كأب شغوف بصغاره. بالنسبة له، هؤلاء الأطفال هم 33 حلماً جميلاً، ينتظرهم مستقبل واعد وآمال محققة. بفضل صانع أمل صاحب قلبي ذهبي كهشام الذهبي، ثمة أطفال في العراق ينامون وهم مطمئنون إلى أن غداً هو يوم آخر جميل.
منال العسعوسي
الهجرة إلى الأمل
لم تكن معالي العسعوسي، من الكويت، تتخيل أن حياتها سوف تُقلب رأساً على عقب، وأنها سوف تترك حياة الأمان والرفاهية وتهاجر إلى مكان يستشري فيه البؤس والفقر والأمية والمرض. حدث ذلك في العام 2007 حين سافرت إلى اليمن في مهمة عمل لدراسة تنفيذ مشروع جديد هناك. كانت تلك أول مرة تزور فيها معالي اليمن؛ فصدمت لما شاهدته من بؤس وتردي في الأوضاع المعيشية، عندها أدركت أنها وجدت رسالتها في الحياة، فودعت حياتها السابقة بلا عودة، ودخلت معترك العمل الإنساني من أوسع أبوابه، بعدما اتخذت اليمن مستقراً لها، لتصبح البلاد بلادها وأهل البلاد أهلها. كان تعرف أن تحديات كثيرة كانت تنتظرها، لكنها كانت واثقة بأنها أهلٌ للتحدي، وأهلٌ لصنع الأمل.
في البداية، أسست معالي مبادرة “تمكين” التي سعت من خلالها إلى تحسين نوعية الحياة والارتقاء بالمستوى المعيشي للأسر الفقيرة هناك، مع التركيز على المرأة والطفل بالدرجة الأولى، كما دعمت تأسيس العديد من المشاريع التنموية غير الهادفة للربح. ثم انضمت إلى جمعية “العون المباشر” الكويتية لتدير عمليات الجمعية الإغاثية والتنموية في اليمن. عاشت معالي البؤس والفقر، ولمست حجم معاناة الناس عن قرب، لتمد يدّ العون الحانية لكل طالب حاجة، ولتترك بصمة خير في كل مكان تطأه.
تنطوي تجربة معالي على سجل غني من العطاء الممدود، من خلال العديد من المبادرات والمشاريع التي ساهمت، ولا تزال، في تحقيق نقلة نوعية في حياة قطاع عريض من المجتمع اليمني، فنفذت 15 مشروعاً مائياً استفاد منها أكثر من 45 ألف شخص، كما نظمت 30 حملة إغاثية لأكثر من 250 ألف شخص، ووفرت أكثر من 600 منحة دراسية، وساهمت في تمكين أكثر من ألف أسرة، كما ساهمت في إجراء أكثر من 5000 عملية جراحية لمكافحة العمى.
بعد عشر سنوات من تكريس حياتها بالكامل لشعب اليمن، لا تزال طريق العطاء بالنسبة لمعالي طويلة، لكنها تعرف أنها لن تتوقف، فقد غرست شجرة أمل، وها هي الشجرة تورق وتثمر، ومنها تنبت أشجار أمل أخرى، تأمل معالي أن تغطي مختلف أنحاء اليمن.
قد يتساءل أحدهم لماذا اختارت الكويتية معالي اليمن مكاناً لصنع الأمل. الجواب ببساطة، كما تقول معالي: أنا لم أختر اليمن، اليمن هو الذي اختارني!
ماما ماجي
في خدمة الإنسانية
قيمة الإنسان لا تضاهيها أي قيمة أخرى.. هذا هو المبدأ الذي تؤمن به ماجدة جبران، من مصر، أو “ماما ماجي” كما يلقبها الناس.. وهو مبدأ ترجمته إلى فعل يومي، حين نذرت نفسها قبل نحو ثلاثة عقود لخدمة فقراء بلدها.
بدأت الحكاية بزيارة، يفترض أنها عابرة، قامت بها “ماما ماجي” إلى حي الزبالين في العاصمة المصرية القاهرة، فهالها ما رأت من بؤس يعيشه الناس هناك، يمسّ الأطفال تحديداً، الذين يفتقدون إلى أبسط مقومات العيش الكريم. عندها قررت أن تفعل شيئاً لمساعدة هؤلاء المهمَّشين. فتخلت عن حياتها، التي لم تعرف فيها معنى الفقر أو الحاجة، وتركت وظيفتها في الجامعة الأمريكية، ويمّمت وجهها صوب مآسي أبنائها وأشقائها في الإنسانية. تكررت زياراتها إلى حي الزبالين، وفي كل مرة كانت تلتقي عدداً كبيراً من سكان الحي، تستمع لهم ولاحتياجاتهم، تجلب لهم بعض المؤن الأساسية، وتوزع على الصغار الهدايا، حتى باتت “ماما ماجي” وجهاً مألوفاً ينتظره الكبير قبل الصغير بشوق، واجدين في حنانها وعطفها وابتسامتها الوارفة ملاذاً ونجدةً، والأكثر من هذا وذاك أن ماما ماجي تُعزز لديهم إحساسهم بإنسانيتهم وكرامتهم وأحقيتهم في الحياة كما تليق بأي فرد.
في العام 1985، أسست ماجدة جبران مؤسسة “ستيفن تشيلدرن” الخيرية، التي تقوم رسالتها على المساهمة في إنقاذ الحياة وصنع الأمل وحفظ الكرامة البشرية للأطفال والشباب الفقراء والأقل حظاً، وتوفير التعليم والتدريب لهم بالإضافة إلى مساعدة أسرهم لتحسين وضعهم المعيشي. وخلال السنوات الماضية، أصبحت الجمعية جزءاً من المشهد الإنساني اللافت في مصر، وسرعان ما امتد نشاطها ليشمل عشرات الأحياء الفقيرة، من خلال العديد من الحملات والمبادرات الإنسانية والمجتمعية والتعليمية والتدريبية، التي استفاد منها الآلاف من الأسر والأطفال.
حتى اليوم أسست “ماما ماجي” من خلال جمعيتها 92 مركزاً توفر الرعاية والتعليم لأكثر من 18 ألف طفل، كما تسهم جمعيتها في توفير العلاج لأكثر من 40 ألف حالة مرضية سنوياً، إلى جانب القيام بزيارات تفقدية لأكثر من 13 ألف طفل يقوم فيها المتطوعون في الجمعية بتقديم الإرشاد النفسي والتدريب لهم. كذلك، أسست الجمعية ثلاثة مراكز للتدريب المهني للأطفال والفتيان، كما توفر دورات تدريبية للأمهات لمساعدتهن في تحسين وضع أسرهن. وبالمجمل، يستفيد من خدمات جمعية ستيفن تشيلدرن اليوم نحو 33 ألف طفل، ضمن نشاط الجمعية المتزايد، الذي يسهم فيه نحو ألفي متطوع يعملون فيها.
لا تنتظر ماما ماجي، التي ترشحت لجائزة نوبل عدة مرات، أن تُكافأ على عملها. يكفيها أن يشار لها بوصفها صانعة أمل حقيقية أحدثت فرقاً حقيقياً في حياة من هم أحوج للأمل.
الخوذ البيضاء
الحياة من وسط الأنقاض
من وسط اليأس المحدق، وتحت القنابل التي تهطل بغزارة، فتقتلع الحجر والبشر، وتشيع الموت والخراب، يلوح أملٌ بحياة ممكنة، أمل متدثِّر ببعض البياض، يسارع لانتشال بقايا روح أو أنفاس لاهثة من تحت الأنقاض.. هؤلاء هم رجال الدفاع المدني السوري، هؤلاء هم صناع الأمل، أو “الخوذ البيضاء” كما يعرفهم العالم، الذين يقتنصون الحياة اقتناصاً من بين ركام الأنقاض ونزيف الدماء في سوريا الجريحة.
تأسس الدفاع المدني السوري في العام 2013، كمنظمة تطوعية حيادية غير منحازة لأي جهة سياسية، حيث تركز نشاطه في البداية في منطقة حلب وريفها قبل أن يمتد ليشمل مختلف مناطق الصراع في سوريا. البداية كانت مع 25 ناشطاً، تطوعوا لإنقاذ حياة من وقع تحت أنقاض القصف العنيف الذي كانت تتعرض له مدينة حلب آنذاك. وسرعان ما أصبح لهم دور أكبر، خاصة مع انضمام عدد متزايد من المتطوعين لهم، متخذين من الخوذة البيضاء رمزاً للأمل الذي يتطلع إليه ملايين السوريين.
اليوم، يعمل مع “الخوذ البيضاء” أكثر من ثلاثة آلاف متطوع، تركوا مهنهم التي عرفوها قبل الحرب، كمعلمين ومهندسين وخبازين وخياطين وكهربائيين وغيرهم، لتصبح مهنتهم المشتركة إنقاذ الحياة بأي ثمن، حتى وإن دفعوا حياتهم ثمناً في سبيل ذلك، سباقين إلى مواقع القصف، نابشين بأيديهم العارية عن أي حياة أو نبضات واهنة تحت أكوام الحجارة والرمال، حتى إذا نجحوا في انتشال رضيع على قيد الحياة بكوا تأثراً وابتهجاً، شعارهم في ذلك قوله تعالى: “وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جميعا”.
في كل يوم، يودع رجال الدفاع المدني السوري أسرهم مدركين أنهم قد لا يرونهم ثانية.. فالموت يتربص بهم في كل وقت. والقصف الوحشي لا يستثني بالضرورة من يعتمر خوذة بيضاء، فقد فقدوا حتى اليوم 189 متطوعاً. لكن ما يعوض هذه الخسارة المؤلمة أنهم أنقذوا أكثر من 94 ألف شخص، ما يعني أن تضحياتهم لم تذهب سدى، وأن الأمل الذي يصنعونه يومياً يستحق الثمن الغالي الذي يدفعونه من أرواحهم ودمائهم.
رؤية صناع الأمل
تعكس مبادرة “صناع الأمل” رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لتفعيل قوة الأمل في استنهاض طاقات أبناء الوطن العربي للتحرك نحو التغيير الإيجابي والمساهمة من خلال مشاريعهم ومبادراتهم في جعل العطاء ثقافة مجتمعية شاملة إلى جانب تعزيز قيم التفاؤل في المجتمعات العربية. وتهدف المبادرة إلى تسليط الضوء على ومضات الأمل في العالم العربي من رجال ونساء يكرسون حياتهم وجهودهم ومواردهم، حتى وإن كانت محدودة، من أجل إسعاد الآخرين أو التخفيف من معاناتهم أو انتشالهم من الفقر والحرمان، وتكريم هؤلاء الناس الذين يصنعون أجمل الآمال التي تحدث فرقاً في مجتمعهم وفي حياة من حولهم، وذلك لمساعدتهم على مواصلة صناعة الأمل ونشره وتعميمه وتوسيع دائرة الاستفادة منه.
وتندرج صناع الأمل ضمن “مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية”، التي تضم تحت مظلتها 28 مؤسسة إنسانية وخيرية وتنموية ومجتمعية، حيث تستهدف 130مليون شخص في العالم وتنفذ أكثر من 1400 برنامج خيري وإنساني ومجتمعي في 116 دولة، كما تغطي أنشطتها أربعة قطاعات حيوية، هي: مكافحة الفقر والمرض، ونشر المعرفة، وتمكين المجتمعات، والابتكار كأداة أساسية لتحسين حياة البشر.
وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قد أطلق “صناع الأمل” في أواخر فبراير الماضي من خلال نشر إعلان مبتكر على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي عن وظيفة متاحة لأي شخص في العالم العربي ضمن الشريحة العمرية من 5 سنوات إلى 95 عاماً، ضمن مواصفات عدة من بينها إتقان مهارات البذل وخدمة الناس، وأن يكون المتقدم للوظيفة إيجابياً ومؤمناً بطاقات من حوله من أبناء الوطن العربي، وذلك مقابل مكافأة مقدارها مليون درهم إماراتي. وقد حظي الإعلان بتفاعل غير مسبوق في الفضاء الإلكتروني وفي الشارع العربي.
وكان الهدف الرئيس الذي وضعته المبادرة عشية إطلاقها اجتذاب نحو عشرين ألف قصة أمل، لكن المفاجأة هي تخطي هذا الهدف في وقت قياسي، حيث ترشح للمبادرة أكثر من 65 ألف صانع أمل من مختلف أنحاء العالم العربي، على نحو أظهر تعطشاً كبيراً لدى أبناء الأمة العربية للمساهمة في العطاء وإرساء الأمل كفعل حقيقي وليس تنظيرياً.
هذا وتخلل حفل تتويج صانع الأمل العربي، الذي قدمه الإعلاميان نيشان وعلا الفارس، فقرات إنسانية وإبداعية وفنية متنوعة شكل الأمل وصناعته محورها الرئيس، شارك فيها الفنان محبوب العرب، سفير الأونروا للنوايا الحسنة، في فقرتين غنائيتين، بالإضافة إلى الموسيقار جهاد عقل الذي قدم معزوفة موسيقية، والرسام محمد الديري، ومجموعة من أطفال “ذا فويس كيدز”.