مما يبعث على الأسى ويحز في النفس ما تطالعنا به الأخبار والصحف صباح مساء عن أخبار العنف وحالاته حتى وصلت حداً لا يمكن السكوت عنه ، عنف في الأسرة وبين أفراد العائلة ، وعنف في الجامعات ، عنف في المدارس والأسواق والشوارع والطرقات ، وبين أبناء العشائر ، وفي الحي الواحد ، وفي الانتخابات ، وفي المناسبات الاجتماعية في الأفراح والأتراح ، وتحت قبة البرلمان ، وعلى الهواء مباشرة في بعض الفضائيات ،وفي بعض المساجد بعض الأحيان ……. الخ .. والعنف لغة يعني : الشدة والقسوة مع الآخرين كاستخدام الضرب ، واللجوء إلى الإيذاء بكل صوره كالإيذاء الجسدي ، واللفظي ، ومن هذا اللفظ اشتقت لفظة العنيف ، ومنه العنفوان الذي يعني النشاط وحدة الشباب كقولهم : فلان في عنفوانه ، ومما لا شك فيه أن ظاهرة العنف في مجتمعنا ظاهرة غريبة تهدد الأمن والسلم الاجتماعي ، وتقوض مفهوم التعايش الذي يعني القبول بالآخر ، فالحياة لا تقوم إلا على التنوع والاختلاف، ولجوء بعض الفئات للتعبير عن مواقفها أو لفرض آرائها وأفكارها يدل على الخلل في نفسية من يعبر عن مواقفه بالعنف ، كما يدل على العجز في استخدام أسلوب المنطق والحجة في الدفاع عن وجهة النظر ، وهي تدل على الفراغ الذي يعد مفسدة للشباب ، فمن يعيش بلا عمل يكون عرضة للعنف والعنف المضاد .
ولا يخفى أن الشعوب التي تدرك قيمة الوطن ومعنى المواطنة تقوم بتنشئة رعاياها وأفرادها على مفهوم التعايش والقبول بالآخر ، وترفض مفهوم الإقصاء ، فالتعايش يجلب للشعوب الأمن ، ويحقق لها التقدم والتطور ، ويساعدها على الإنجاز والبناء ، ويرسخ لديها مفهوم المواطنة ، ولا يمكن لأحد أن يجتث الآخر لأي سبب كان ، ولا بديل للشعوب والدول والأفراد والجماعات التي تنشد الاستقرار والتقدم عن لغة التعايش والتفاهم .
وللعنف أسباب كثيرة منها ما يعود إلى أثر النزعة القبلية ، والحزبية الضيقة ، والطائفية ، والمذهبية ، والجهوية ، وغياب العدالة الاجتماعية الذي يشعر الناس بالقهر والظلم مما يدفعهم للتعبير عن ذلك بلغة العنف ، وغياب دولة القانون والمؤسسات ، وغياب الدور الفاعل للمؤسسات التربوية والإعلامية ، وخلل منظومة القيم ، والخلل في دور الأسرة ، وضعف الوازع الديني ، والتأثر بما تبثه وسائل الإعلام ، وغير ذلك كثير .
ويمكن التقليل من العنف لدى فئة الشباب بالعودة بهم إلى برامج خدمة العلم لطلاب المدارس في المرحلة الثانوية بتدريبهم مدة شهر أثناء العطلة الصيفية عبر خطة مدروسة يتعلم فيها الطالب معنى المواطنة ، ويوضع في بيئة عملية وعلمية مع محاضرات مكثفة في التوعية الوطنية ، ويمكث طلية هذه الفترة ضمن معسكرات هادفة لصقل شخصيته ، كما يمكن تدريب طلاب الجامعات أثناء الفصل الصيفي لمدة شهر عبر دورات مكثفة لنفس الغاية والهدف وتعويدهم على البيئة الخشنة ، والتدريب المستمر ، يضاف إلى ما سبق وضع مناهج دراسية في المدارس والجامعات ضمن البرامج المقررة لتنشئة الأجيال على ثقافة التعايش ونبذ ثقافة العنف .
د. رياض خليف الشديفات / المفرق / الأردن