كم مرّة نسمع أشخاصاً يدعون للحوار والنقاش في مواضيع مختلفة دينيّة، سياسيّة، اجتماعيّة أو في أيّ مجال آخر، وبالمقابل كم منّا يعرف حقّاً معنى الحوار والنقاش وأًُسسه؟
ولكن يبقى الأهمّ هو حرّيّة التعبير عن الرأي واحترام الرأي الآخر بغضّ النظر عمّا إذا كنت مع أو ضدّ ما يقوله الشخص.
فلسفة الحوار والنقاش إحدى الركائز الأساسيّة في حياتنا اليوميّة القائمة على الحوار مع الآخر والنقاش معه أو مع مجموعة، فمتى اجتمع شخصان أو أكثر بتنا نتحدّث عن الحوار والنقاش. وما أسهل أن نُطلق الكلام عن هذين المفهومَين وأن ننادي بهما، ولكنّ الوضع يبدو أحياناً مغايراً على أرض الواقع ؛ وحتى مع الديمقراطيّة وحريّة الرأي والتعبير والعولمة التي من شأنهم المساهمة في تطوير طريقة الحوار وتوسيع حدود النقاش، فما زال البعض يجهل طبيعة الحوار وأهميّة تقبّل الرأي الآخر. ولا يقتصر ذلك على بلد واحد أو مجتمع واحد أو شخص واحد، وإنمّا يطال الجميع مع اختلاف أحياناً بطبيعة المجتمع والبيئة التي ننتمي إليها فهناك بلدان ومجتمعات تكون فيهما مساحة الحوار والنقاش أوسع، ولكن هذا لا يلغي أبداً أن نجد أشخاصاً يرون في ما يقولون دائماً هو الصحيح وآخرون تفرح بالنقاش معهم ونظرتهم إلى الأمور ويأخذون بما يقوله الآخر ويتقبّلون أفكار الغير. هذا الواقع ليس مطلقاً، فسواء في وسائل الإعلام أو في المجتمع أو في أيّة مناسبة نجد دائماً من يمكن محاورته ومن نضطرّ أحياناً لمجاملته. ويبقى أنّ على الإنسان أن يبدأ بذاته أولاً ويقتنع أنّ رأيه قد يكون صائباً تارةً وعلى خطأ تارةً أخرى.
من المعقول أن يكون هناك حد أدنى لتقبل سلوك , أو فعل , أو مواقف , أو حديث الآخرين .. الكل يكره الكذب وينبذه كمطلب ديني أولا ثم كمطلب أخلاقي , وسمة ذوقية ولكن الكل يكذب .. والكل يكره النقد والانتقاد ولكن الكل ينقد وينتقد .. دوما هناك صفات غير مقبولة من الآخرين تجاهنا ولكننا نفعلها تجاه الآخر .. لماذا لتجيبوا أنتم؟..هكذا هي العلاقة الاجتماعية المبنية على فلسفة حب الذات قبل الاتصال بالآخر .. الموضوعية والحيادية نسبية جدا حيث إن باختلاف الأشخاص أو الموضوعات , أو المواقف , أو الاتجاهات فالنتائج السلبية متكررة وواقعة .. الموضوع الحقيقي هو قبول الآخر بالتجربة وليس بالظن والتخيل , أو استخدام التفسير الظاهري , أو بأخذ الانطباع الاولي .. الموضوع ليس نسف الايجابيات مقابل سلبية واحدة أو اثنتين .. ليس من العدل قول أنا لا أهضم هذا أو ذاك من الناس بناء على شكل , أو مظهر , أو حركة بدون عشرة ولا تجربة ولا معاملة .. وليس من العدل أن نتجاهل المحاسن مقابل سوء واحد.
هذه الحقائق التي ينبغي علينا معرفتها وتعلمها فلابد أن تكون قاعدة الحد الأدنى نشطة في قلوبنا وعقولنا .. والحد الأدنى يؤدي إلى قبول الآخر بسهولة .. فلسفة القبول من عدمه تبنى على الارتياح والألفة قبل كل شيء وذلك متعلق بالعاطفة أما التقييم والمراقبة فتبنى على فلسفة الفكر .. المشكلة تقبع خلف التصورات النمطية ,
المشكلة تقبع خلف التصورات النمطية , ووراء الصور الذهنية التقليدية التي تجعلنا نقدم ما يسن على ما يجب , ونأخذ بالانطباع قبل الحكم .. كم هو مرهق هذا القبول وعدمه , وكم هو متعب هذا التقبل من غيره فحكمنا على الآخرين يزعجنا لأننا لا نعرف كيف نحاكمهم إلا من خلال رؤيتناووراء الصور الذهنية التقليدية التي تجعلنا نقدم ما يسن على ما يجب , ونأخذ بالانطباع قبل الحكم .. كم هو مرهق هذا القبول وعدمه , وكم هو متعب هذا التقبل من غيره فحكمنا على الآخرين يزعجنا لأننا لا نعرف كيف نحاكمهم إلا من خلال رؤيتنا ولا نعرف كيف نقبلهم أو لا نقبلهم إلا من خلال عاطفتنا المتحركة بالأهواء والرغبات..نظلم الآخر أحيانا ولا نقبل أن يحكم علينا جورا .. إن قدرة المرء على إصدار حكمه بطريقة شفافة وموضوعية أمر قد يحسد عليه خصوصا حين يقدم حسن الظن على سوء الظن فتكون علاقاته مريحة .. واقع المجتمع يكشف لنا الكثير من الآهات في التعامل مع الآخر سواء القريب , أو الصديق , حتى عابر السبيل فدوما ما نكون في سباق مع تصوراتنا وظنوننا والحكم سريعا..حتى خطأ الآخر المقرب لا يغتفر في لحظة مزاج , ولا يقبل عذره في لحظة إحساس..مع أن شريعتنا السمحة تدعونا دوما لتلمس العذر , وحمل المعروف , وشكر المتفضل , وحفظ الوفاء , وحسن الظن.
ختام القول : الآخر في حياتنا هو ما يمنحنا حقيقة التفاعل في معيشتنا .. الآخر هو كل قريب وبعيد ونحن نصنّفه بطريقتنا , ومشاعرنا ,ورغباتنا, وأفكارنا .. الحد الأدنى درجة ثبات لأي علاقة مبنية على الخير وليس المصلحة .. الحد الأدنى هو ما نضعه معيارا حقيقيا لقبول الآخر فلا أحد كامل وكل ابن آدم خطاء .. فلو سقطت العلاقات من خطأ أو تقصير لما بنيت علاقات جديدة , ولما استمرت علاقات طيبة ولهدمت المجتمعات .. الحد الأدنى هو ما يجعلنا نتنفس بالحياة والراحة فليكن لكل منا حد أدنى لنفهم ونستوعب الآخر فتنجح علاقاتنا.