|  آخر تحديث أبريل 23, 2022 , 23:00 م

احذروا مخططات تجار الحلول!  


احذروا مخططات تجار الحلول!  



 

 

( نحن نفكر كيف نصنع المشكلة و نبيع الحل ) جملة سمعتها في أحد المسلسلات على لسان أحد الشخصيات و كان يعمل طبيباً في أحد المشافي الخاصة المرموقة ، أدارت زوبعة من الأسئلة في رأسي و قلبت لدي ميزان قياس ما أراه من أمور و أحلله ، و السؤال الأول الذي تبادر إلى ذهني :

 

هل كل ما نعيشه الآن هو مشاكل مختلقة للترويج لحلول مقولبة و تجارية و جاهزة للاستخدام ؟

فبدأت بتقسيم فئات المجتمع و تحليلها لأرى هل تنطبق عليها سياسة بيع الحل ، و نبدأ بفئة الأطفال و المراهقين في مراحل الدراسة ، فنجد أن الحلول المراد بيعها و تحريك سوق تجارتها مع هذه الفئة تختلف عن غيرها مع الفئات العمرية الأخرى ، فيعمد تجار الحلول مع هذه الفئة على خلق مشكلات ستستمر و تتضخم و يكون أمدها طويلاً و يقد يصل استهلاك حلولها إلى نهاية العمر.

و هنا أطرح بعض المشاكل التي إن تمعنا فيها لوجدنا أنفسنا نشارك في خلقها دون وعي و إدراك منا ، فأن أدع طفلي متسمراً في مكانه لساعات عدة أمام شاشات الأجهزة الالكترونية ( تلفاز – هاتف محمول – لوح الكتروني – جهاز حاسوب ) فأنا أساهم مع تجار الحلول فيما يلي :

  • زيادة عمليات تصحيح النظر و تنشيط بيع النظارات و العدسات الطبية .

(بسبب تعرض النظر لساعات طويلة لأشعة الإلكترونيات الضارة التي تزيد من حساسية العين و تنمو مقلة العين بصورة أطول مما يؤدي إلى ضعف النظر حسب دراسة ألمانية أجريت على الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ال 8  و15 عاماً )

  • تنشيط جلسات علاج الضمور العضلي و زيادة مبيعات منتجات نقص النمو .

( بسبب نقص النشاط البدني و سوء التغذية الذين هما سببان أساسيان في ضمور العضلات ، فيجلس الطفل لساعات دون نشاط حركي و يصاحب ذلك عادات غذائية سيئة كتناول الوجبات السريعة أو الاستغناء عن بعض الوجبات الأساسية مع العائلة)  

  • تفعيل نشاط دورات الذكاء العاطفي و الاجتماعي .

(بسبب عدم تواصل الطفل اجتماعياً بشكل صحيح لا مع أهله و لا مع مجتمعه المحيط  مما يخلق عنده جهل اجتماعي و عاطفي و عدم القدرة على إدارة حوار أو القدرة على التواصل الاجتماعي الفعال و لا القدرة على التفكير السليم في إيجاد الحلول .

  • ازدياد الإقبال على جلسات تحسين النطق و علاجه .

(و خاصة في الأعمار الصغيرة ، حيث النطق السليم يحتاج إلى تواصل تفاعلي حقيقي يشترك به السمع و البصر و النطق و التخاطب فالطفل هنا في مرحلة التلقين و لا يجب أن يبقى صامتاً لفترات طويلة و قد أثبتت الدراسات أن ازدياد خطر التأخر في الكلام قد ازداد بنسبة49%  عن كل 30  دقيقة زيادة في المكوث أمام الأجهزة الإلكترونية)

  • زيادة مبيعات الأجهزة اللوحية و الألعاب الإلكترونية و الهواتف المحمولة و متابعة جديدها و التحفيز على اقتنائها

(و هذا يعتبر هو الحل و المشكلة في آن واحد ، فتجار الحلول أوجدوا المشكلة ( الأجهزة الإلكترونية ) لتصبح حالة إدمان و علاجها يكون التعاطي المستمر)

و مع الفئة الأكبر سناً ( الشباب و الشابات ) ـ و يؤسفني أن أقول أنهم الفئة الأكثر تغريراً بهم ـ فقد خلق تجار الحلول مشاكل جديدة و دخيلة على المجتمع ، منها مشاكل حقيقية و منها مشاكل وهمية لعب الإعلام بشتى وسائله في خلقها و الترويج لإيجاد حلول تجارية لها ، ومن أحد المشاكل الفعلية هي (مشكلة السمنة الحقيقية) التي كان لتجار الحلول دوراً في إيجادها من خلال خلق مسببات العادات الغذائية السيئة و زيادة إنتاج كم هائل من المنتجات المحتوية على أسوأ أنواع الدهون و السكريات الذي يؤدي تراكم استهلاكها إلى ظهور الأمراض المزمنة التي توصلهم بدورها إلى تاجر الحل الجاهز ، فيُنَشِّط بدوره إنتاج منتجات التخسيس و القضاء على السمنة و التي انتشرت بشكل كبير و بماركات مختلفة وبأسعار مبالغ فيها وازداد الإقبال عليها بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة .

و هناك ( المشاكل الوهمية ) التي لعب الإعلام أيضاً دوراً بارزاً في الترويج لها من خلال رسم صورة موحدة و قياسية لمقاييس الجمال عند الشباب و الشابات ، و إذا لم تتوفر هذه المقاييس لا يعتبر هذا الشخص ضمن دائرة الجمال ، و إذا رغب في الانضمام لهذه الدائرة ، فعليه أن يستخدم الحلول المقولبة الجاهزة التي تجعله راضياً عن ذاته و تحقق له الثقة بالنفس ، فكلنا نلاحظ الآن الترويج للشكل المثالي للمرأة ،المنحصر في النحافة الشديدة و عدم ظهور التجاعيد و إزالة خطوط التمدد الجلدية و نفخ الشفاه و الخدود ( و كل ما ينفخ ) و الأنف الصغير و الشفاه الوردية و الجسم المشدود و من لا تمتلك هذه الصفات تكون خارج إطار الجمال و تجد نفسها في مشكلة و تريد حلاً ! و بالطبع الحل موجود و متوفر ، ففتحت عيادات التجميل بأعداد هائلة و أجريت مئات الآلاف من عمليات قص و تكميم المعدة و غيرها من عمليات النحت و الشفط ، و عمليات توريد الشفاه و تصغير الأنف. و قد أصبح وجود هذه العمليات واقعاً لا يمكن إنكاره ، كما أصبحت هدفاً و غاية و حلماً لمعظم الشابات .

و بالنسبة للشباب فقد خلق الإعلام أيضاً صورة الشاب الذي لا يكون جذاباً إلا إذا كان بارز العضلات ، خالياً من الدهون ، ذو شعر كثيف في رأسه و شعر منعدم في بقية أجزاء جسده ، بشرته سمراء لامعة و أسنانه بيضاء ناصعة ، مما جعل أكثرالشباب تهرول إلى المكملات الغذائية و البروتين الصناعي و إجراء عمليات زرع الشعر و جلسات الليزر و تسمير البشرة و تبييض الأسنان ( لإيجاد حل لما اعتبروه مشكلة )

أما عن فئة كبار السن ، فهم الفئة الذين نجوا تقريباً من مخططات تجار الحلول ، فقد كانت حياتهم في المراحل الأولية مليئة بالحركة و النشاط و التواصل الاجتماعي الحقيقي ، و كانوا بعيدين عن الهدرجة و الهرمونات و السكريات و الأطعمة المعلبة و الجاهزة  ، فكانوا يأكلون مما يزرعون و مما يذبحون و مما يصيدون ويشربون مما يحلبون .

و لا نقول هنا أنهم لم يمسهم أذى تجار الحلول نهائياً ، و لكن أصابهم إلى حد ما ، فنتيجة لكل ما سبق ذكره من مشكلات مختَلَقة و دخيلة على المجتمع ، فقد تغير نمط حياتهم و أصبحوا أقل حركة و نشاطاً مع الاستخدام الدائم للسيارة و الاعتماد على الأجهزة الكهربائية مما أدى لانتشار مشاكل ليونة العظام و خشونة الركب و آلام الظهر و أمراض السكري و القلب و الضغط التي بدورها زادت من إجراء العمليات الجراحية التي قولبها تجار الحلول ( إن كان المريض بحاجة فعليه لها أم كان غرضها تجارياً .. كما حدث فعلاً و أجريت للكثير دون الحاجة لها و كان يمكن الاستغناء عنها و استبدالها بتغيير نمط الحياة المعتمد على حسب قول الأطباء أصحاب الأيادي البيضاء محترمي المهنة و القسم )

فهل علينا فعلاً الانقياد وراء ما رُسِم لنا من حلول ؟ أم تحليل المشكلة و اكتشاف مسبباتها و من وراءها و من المستفيد من خلقها ؟

فلنتفكر..

 

 

 

بقلم: ياسمين أحمد حلوبي


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com