|  آخر تحديث أكتوبر 26, 2015 , 23:50 م

المسجد والكنيسة .. الدولة والمجتمع في مصر


المسجد والكنيسة .. الدولة والمجتمع في مصر


ترهلت الدولة المصرية منذ نكسة حزيران يونيه 1976، جتى انسحبت تدريجيا من المجال العام، خاصة الخدمات الأساسية التي يحتاجها المجتمع، ومع تذبذب سياسات الدولة العامة منذ أحداث كانون الثاني يناير 1977 التي شهدت تظاهرات ضد رفع الدعم الجزئي عن بعض السلع، أعقبتها سحب الدولة قرارها برفع الدعم.

لم تكن النظم السياسية في مصر منذ نهاية عصر السادات ثم عصر مبارك صريحة في إعلان توجهاتها الاقتصادية، فلا هي تخلت صراحة عن النهج الإشتراكي، ولا هي تبنت صراحة الرأسمالية كمنهج، فبات الوضع مثيراً للارتباك على كل الأصعدة ففي الوقت الذي نهج فيه نظام حسني مبارك سياساتلا إقتصادية رأسمالية متوحشة، وأغفل تطوير القطاع العام، كان رئيس الجمهورية متردداَ في التعامل مع تضخم حجم الدعم.

أدى كل ما سبق إلى تراجع مستوى خدمات الدولة وعجزها في مجال الخدمات العام، ففي مجال الصحة تدهورت خدمات المستشفيات الحكومية حتى صار المثل الشائع عند المصريين”الداخل مفقود والخارج مولود” هنا بدأت المساجد والكنائس في توفير خدمات صحية بتكاليف منخفضة نسبياً، واستقطبت الجماهير لهذه الخدمات، فصار المسلم يذهب إلى المسجد والمسيحي يذهب إلى الكنيسة، ثم تدهور مستوى التعليم في المدارس، فقدمت المساجد والكنائس دروس خصوصية تتناسب ومداخيل الأسر المنخفضة، لتيدأ حدة الإستقطاب الديني في المجتمع، بل والتعصب، حتى صار الأقباط المصريين أسرى داخل أسوار الكنائس التي قدمت خدمات الترفيه والرياضة للأطفال والشباب بسبب عجز النوادي ومراكز الشباب عن استيعاب الأجيال الجديدة، بل وحرمان بعض المناطق منها، فضلاً عن ارتفاع اشتراكات الأندية بالنسبة للطبقة الوسطى بكافة شرائحها.

كل هذا أتاح مساحة إلى جماعة الأخوان المسلمين للعب دور الدولة في المجتمع المصري فأسست مستشفيات ومدارس قدمت خدمات التعليم والصحة وعبرها استقطبت آلاف الشباب لها، الذين صاروا يؤمنون بأن الجماعة هي بيتهم ووطنهم المثالي، ضد دولة أهملتهم وصارت تقدم خدمات سيئة.

بل إن المسجد والكنيسة من هذا المنطلق أتاحت لهم الدولة فرصة تنمية مجتمع موازي للمجتمع الرشيد الوسطي الذي تميزت به مصر لسنوات، في الوقت الذي أدى طول حكم الرئيس حسني مبارك لمصر من 1981 إلى 2011 إلى سكون في حركية الدولة، فلجأت حتى جماعة الأخوان المسلمين والسلفيين إلى تقديم ما هو أبعد بدءًا من توظيف الشباب في المؤسسات والشركات التي تملكها الجماعة، وفي حقيقة الأمر بنت جماعة الأخوان المسلمين بأموالها امبراطورية اقتصادية متعددة الشركات تحت عين نظام حسني مبارك ورعايته، كتبادل للمصالح بين الطرفين، كما كانت الجماعة تزوج شبابها وترعى هذه الزيجات في وقت وقفت فيه الدولة عاجزة أمام ارتفاع تكاليف الزواج بل والمغالاة في طلبات الزواج في المجتمع المصري، حتى صارت العنوسة في مصر ظاهرة تلجأ الفتيات للجماعة للزواج كمخرج من هذه المشكلة الاجتماعية الحادة.

إذا استمر تدهور خدمات الصحة والتعليم والرياضة في المجتمع المصري، وضعف أداء الدولة في هذه المجالات، من المتوقع أن تستعيد جماعة الأخوان المسلمين جماهيرها في وقت قياسي، هي والجماعات المتطرفة، فإذا كان للدولة المصرية إرادة في استعادة المجال العام والمجتمع فإن معركتها الأساسية خلال السنوات الخمس القادمة هي إصلاح الخدمات الصحيةورفع كفاءتها، إصلاح التعليم ورفع كفاءته، إقامة مراكز شباب وأندية تقدم التدريب الرياضي في مستوى جيد، كل هذا يؤشر على نهاية الاستقطاب الديني في المجتمع المصري فضلاً عن نمو المجتمع المدني وانتشار السلم المجتمعي.

 

بقلم الكاتب والدكتور: خالد عزب – ( مصر )


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com