بقلم : مروة ماهر باكير
في زمن بات فيه الهاتف الذكي أقرب إلى الإنسان من أي شيء آخر، وأصبحت المشاعر تُرسل بلمسة إصبع، وتُنسج القلوب عبر كلمات عابرة في غرف الدردشة، ظهرت علاقات من نوع جديد… علاقات لا تُبنى في المقاهي أو بوجود الأهل، بل من خلف الشاشات.
ومع هذا التغير، بات من الطبيعي أن نسأل:
هل يمكن أن يولد حب حقيقي من عالم افتراضي؟ وهل يمكن أن يُبنى زواجٌ ناجح من علاقة بدأت عبر الإنترنت؟ أم أن الأمر لا يتجاوز أحلامًا رقمية وأوهامًا عاطفية؟
الحب الرقمي: بداية بسيطة، ونهاية مجهولة
غالبًا ما تبدأ الحكاية برسالة بسيطة من شخص غريب يقول فيها: “مرحبًا، لفتتني منشوراتك”.
يتحول هذا التعليق إلى حديث يومي، فإعجاب، فمكالمة، ثم صوت مألوف، فمشاعر دافئة. وتبدأ الأحلام تُنسج، والقلوب تتعلّق، وتبدأ الفتاة أو الشاب بالاعتقاد أن هذا هو “نصيب العمر”.
ولكن، هل هذا هو حقًا النصيب الجميل، أم أنه قدر مؤلم بوجه افتراضي جميل؟
بين الواقع والشاشة… حقائق مخفية
الإنترنت منح الكثيرين فرصة للتعارف، وتقريب المسافات بين القلوب والعقول، لكنه كذلك أتاح للبعض أن يختبئوا خلف أقنعة رقمية، ويُزيّفوا واقعهم، ويُجمّلوا حقيقتهم بكلمات كاذبة وصور خادعة.
إحدى القصص المؤلمة التي وصلتني كانت لفتاة أحبّت شابًا عبر تطبيق دردشة، وأعطته من قلبها ما لم تعطه لأحد. كانت تظنه سندها ومكافأتها بعد سنوات من التعب، لتكتشف لاحقًا أن من كانت تتحدث إليه لم يكن شابًا، بل صديقتها المقربة، التي غارت منها وقررت أن “تعاقبها” عاطفيًا! استخدمت تلك الصديقة الذكاء الاصطناعي لتغيّر صوتها وصورتها وتخدعها.
الصدمة لم تكن فقط في الخيانة، بل في الارتباط العاطفي العميق بشخص لم يكن موجودًا من الأصل!
قصص نجاح… ولكنها ليست القاعدة
وفي الجانب الآخر، هناك من نجح في هذا النوع من العلاقات. فتاة أحبّت وتزوجت شابًا تعرّفت عليه عبر الإنترنت، وعاشا حياة مستقرة وسعيدة. وشاب ناضج رغب في الزواج وتكوين أسرة، لكنه تعرّض للاحتيال والنصب.
هذه القصص تعكس تنوع التجربة… فليس كل من يحب عبر الإنترنت ضحية، وليس كل من يدخل هذا العالم خادع.
الإنترنت وسيلة… وليس ضمانًا
ليس من الخطأ أن نحب عبر الإنترنت، لكن علينا أن نُدرك أن الشاشة لا تعكس دائمًا الحقيقة.
فالحب الحقيقي لا يُبنى على الكلمات وحدها، بل على المواقف، والصدق، والتجارب الواقعية.
الزواج مسؤولية وليس حلمًا ورديًا، يتطلب وعيًا، نضجًا، عقلًا وقلبًا حاضرًا. فلا مانع من أن نفتح قلوبنا، لكن يجب أن نفتح أعيننا أكثر.
خلاصة القول…
الحقيقة لا تختبئ خلف فلاتر الصور، ولا تختفي ب زر “حذف لدى الجميع”.
الحب يحتاج إلى عقلٍ يُبصر، وقلبٍ يميّز، ووعيٍ يختار.
فامنحوا أنفسكم فرصة الحب، ولكن لا تسمحوا للوهم بأن يكسركم.



(
(





