|  آخر تحديث يناير 9, 2016 , 22:33 م

« ساعي البريد »


بقلم الكاتبة: موزة عوض – ( الإمارات )

« ساعي البريد »



في خضم حياتنا اليومية وتطورها افتقدنا العلاقات الحميمية والألفة واللمة في مجالسنا وغرف معيشتنا، تركنا خلفنا ذكريات تعبق بالوفاء والصدق وملامح الطيبين، في أحد مواقع التواصل الاجتماعي أثرتُ موضوعاً عن رسائلنا الورقية في الماضي وساعي البريد الذي كان يحمل أظرف الرسائل ملصقة بالطوابع المختلفة من أغلب الأوطان، ويحمل تراثها وتاريخها الاجتماعي الثقافي والتقليدي. أخبرتهم ماذا لو عُدتُ من جديد لأكتبُ رسالتي على ورقة، ثُم أدسها في ظرف أنيق مزخرف بالخطوط الزرقاء أو الزهرية وأُخبرُ صاحب البقالة بأن يناولني طابع بريد للبلد المراد إرساله؟

 

أفرحتني الردود كانت جداً جميلة ومشوقة فالكل يحمل ذات المعنى والحنين إلى معالم الحياة التي كانت ذات يوم تزيد فينا نشوة اللقاءات الأولى لرسائل البريد الجوية ورائحة عطرها وثمار جهدنا للقلم حين يخط مشاعرنا بصدق رغم علمنا أن هناك بشراً ينتظرون منا هذه الرسائل بشغف، ما زلت اذكر أيضاً جيل العمالة الوافدة وهم يجتمعون عند باب البقالة القريبة من منزلنا بانتظار ساعي البريد وأخبار أحبائهم في وطنهم البعيد، والبعض أيضاً ينتظر الأرباب ربما جاء من عمله يحمل معه رسالة تفرحه من زوجته أو أبيه، تذكرت يوم كانت لدي شغالة سريلانكية لطيفة وخدومة منذ سنوات مضت تفرح كثيراً حين أباغتها برسالة أسلمُها لها وقت انشغالها في المطبخ وتجري سريعاً نحو غرفتها لتفتحها وتقرأها بسعادة تغمر قلبها الطيب، كُنتُ أشعر بمدى أن تكون أنت مصدر سعادة للآخرين.  تلك الرسائل لها مفعول سحري وتناغم ناعم يشعرنا بلذة ما يستوطنها من كلمات منسقة ومنمقة بمشاعر راقية نقرأها لتشبعنا سعادة وسرورا ونتفاعل معها بوجدانية عظيمة.

 

ما زلت أحتفظ برسائل عمي الله يحفظه الجميلة حين كان يعمل في الشقيقة دولة الكويت في بداية الثمانينات، كُنتُ أحسده على خطه المتناسق الجميل وتمنيت أن أتفنن في خطي حين ارسل له رسالتي القادمة ولكن كل مرة أفشل، كل يوم أتساءل في نفسي ماذا لو أعدنا ساعي البريد إلى منازلنا أو لو تبادلنا أرقام صناديق البريد وعشنا مرة أخرى تفاصيل الخط ومداد الحبر والمشاعر بشكل مختلف بعيداً عن تفاصيل رسائلنا الآن كالبريد الإلكتروني والرسائل النصية ورسائل الواتس أب والمواقع الاجتماعية التي تجعل أصابعنا تراقص الكيبورد وحروفه وتئن مفاصل أفكارنا بصبر.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com