|  آخر تحديث ديسمبر 8, 2015 , 20:40 م

« الخرطوم والقاهرة .. حقيقة ما جرى »


بقلم الكـاتب: محمد مصطفى – ( قـطـر )

« الخرطوم والقاهرة .. حقيقة ما جرى »



تابعت باهتمام ما جرى من شحن إعلامي وتراشق بين الأشقاء في دولتي وادي النيل السودان ومصر، على خلفية احتجاز وتعذيب مواطن سوداني بقسم شرطة عابدين في قلب العاصمة المصرية القاهرة خلال الفترة الماضية، وعموماً ظلت العلاقات بين الدولتين تتسم بالتأرجح والتفاوت تبعاً للمسارات السياسية بين الحكومات المتعاقبة في القاهرة والخرطوم رغم علاقات الجوار والتاريخ والاختلاط والتصاهر بين شعبي البلدين.

مؤخراً شهد الشارع السوداني حالة من الاستياء الشديد تجاه المعاملة غير اللائقة للسودانيين في مصر “كما سموها”، وما يتعرضون له من مضايقات بواسطة قوى الأمن والاستيلاء على الأموال التي بحوزتهم، وبرز اتجاه لدى كثير من السودانيين بالدعوة إلى مقاطعة السفر إلى مصر ومطالبة حكومتهم باتخاذ إجراءات صارمة تجاه الوجود المصري في السودان، كما دعا البعض إلى تعطيل اتفاق الحريات الأربع وهي حرية التنقل، وحرية الإقامة، وحرية العمل، وحرية التملك بين البلدين، وشكوا من عدم تطبيق اتفاقية الحريات الأربع من الجانب المصري، بينما يتم تطبيقها بالكامل من الجانب السوداني لافتين إلى عدم تمكن السودانيين من الاستفادة من حق حرية العمل بالشكل المطلوب، كما طالبوا بانسحاب القوات المصرية من مثلث حلايب المتنازع عليه.

وبعد اتصالات متعددة أجريتها في البلدين اتضح لي أن هناك تجاوزات حقيقية تمت بحق مواطنين سودانيين من الزائرين بغرض العلاج أو السياحة ولم تطال المقيمين بمصر، إذ أن القنصل العام لجمهورية السودان بالقاهرة خالد الشيخ أشرف بنفسه على إطلاق سراح 15 مواطناً سودانياً كانوا محتجزين في أقسام الشرطة وتحديدا تلك التي تقع في (وسط البلد) وهو الاسم المتعارف عليه لمنطقة وسط القاهرة عند الإخوة المصريين.

إذاً بكل أمانة لم تكن هناك حملة مُمنهجة ضد الوجود السوداني في مصر كما أشيع على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، ويبدو أنها كانت حملات لمحاربة السوق السوداء للعملة الأجنبية وبعض المظاهر السالبة في مصر، غير أن العديد من الأبرياء الذين أتوا مصر الشقيقة تضرروا وزُج بهم في السجون والمعتقلات وصُودرت أموالهم دون ذنب، ولذلك أصيب الشارع السوداني بالذهول مما حدث لأنهم يعتبرون مصر البلد الثاني والأقرب بالنسبة لهم من حيث الثقافة واللغة والتاريخ، ولذلك كانت وجهتهم الأولى بغرض العلاج والسياحة والنزهة.

ولأن العلاقات الدولية ليست مجرد لعبة كما ذكر بيان لوزارة الخارجية المصرية تعليقاً على ما جرى من أحداث، فإني أتمنى من الحكومتين في مصر والسودان تفويت الفرصة على المخربين الذين يسعون لإفساد علاقات الشعبين، ولذلك أقترح عقد لقاء قمة بين الرئيسين البشير والسيسي لمناقشة الموضوعات العالقة وكيفية تطوير العلاقات وتنميتها بما يخدم مصالح البلدين، إذ أن السودان مثلاً لديه ثروات طبيعية وموارد هائلة إضافة إلى موقعه المتميز الذي ينفتح على القارة الأفريقية الواعدة، بينما تمتلك مصر بنية تحتية جيدة في مجال الصناعة والسياحة، فلو اتيحت فرص للتكامل والاندماج بين البلدين يمكن أن تتغير أحوال مواطني الشعبين تغيراً كاملاً.

شخصياً، زرت جمهورية مصر الشقيقة أكثر من سبع مرات كان آخرها في أغسطس وسبتمبر الماضيين، والحق يُقال لم أشعر بأي تمييز أو عنصرية في المعاملة بل بالعكس أجد كل الاحترام والترحيب منذ وصولي إلى أرض الكنانة، ولعلي قد تحدثت في مقالات سابقة قبل أن تنفجر هذه الأزمة، عن اهتمام مأمور الجوازات بتسريع إجراءات دخولي في مطار برج العرب بالإسكندرية حيث لم يأخذ الأمر معي سوى دقائق معدودة بعكس أصحاب الجنسيات الأخرى، وأعتز جدا بصداقاتي مع عدد مقدر من زملائي ورفاقي في جمهورية مصر العربية ولا أذيع سراً إذا قلت أن لي ارتباطاً أسرياً قوياً مع الأعزاء في شمال الوادي حيث أن عم والدتي تزوج من هناك في ستينيات القرن الماضي وبقي في مصر إلى أن توفاه الأجل، أسأل الله أن يرحمه ويغفر له وأن يجعل البركة في ذريته وأحفاده.

أتمنى من حكومتي الخرطوم والقاهرة، العمل أولاً على معالجة القضايا العالقة ومن ضمنها محاسبة العناصر المتورطة في تعذيب واعتقال السودانيين ورد الاعتبار للمتضريين وإعادة الأموال لمن تمت مصادرة النقد الأجنبي منهم، ثم الشروع في دراسة مشروعات اقتصادية واستثمارية كبرى تعود بالنفع والخير على الشعبين الشقيقين، فحجم التبادل التجاري بين البلدين يبلغ حالياً 6 مليار دولار وهو بنظري رقم ضئيل بالمقارنة مع متانة العلاقات وقوتها، خاصة بعد أن تم في ابريل الماضي افتتاح الطريق البري الحدودي “قسطل-أشكيت” الذي يربط بين الدولتين.

ختاماً، أُشير إلى أن التواصل والترابط الاجتماعي بين السودان ومصر في ارتفاع ونمو مستمرين إذ أن شركة مصر للطيران لوحدها تُسيّر ثلاث رحلات يومياً بين مطاري القاهرة و الخرطوم، كما أن لنظيرتها “سودانير” رحلة يومية، وتعمل على ذات الخط شركات طيران سودانية خاصة مثل تاركو وصن اير وبدر، كما تُسيّر شركة الخطوط الكينية رحلة يومية وللأرترية ثلاث رحلات أسبوعياً، هذا بخلاف البواخر النيلية المنتظمة بين ميناء وادي حلفا وميناء أسوان، بالإضافة إلى الرحلات البرية اليومية على متن البصات السياحية التي تربط العاصمتين.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com